أخيرة

مثلية

يجنح الفكر الغربي عموماً في مسألة الذات الإنسانية نحو القبول بالذات كما هي من دون المحاولة لتغيير هذه الذات نحو الأفضل… وحتى الاتفاق على ماهية الأفضل هو أمر مختلف عليه… الوجوديّون يرون أنّ الوضع الحالي للإنسان هو الوضع الأمثل، وليس هنالك داعٍ لمجرد التفكير في تغيير الذات، فأنا كما أنا وليس كما يجب أن أكون… فكلّ امرئ بكلّ فحواه هو شيءٌ واقع، وليس هنالك من داعٍ لمقاتلة الذات في محاولةٍ للارتقاء بها نحو ذاتٍ أفضل، فلكلٍّ الحق في أن يرى الأفضلية من منظاره دون الحاجة للخلوص إلى وجوب العمل على تغيير هذا الذات… ويتجلّى هذا الفكر في مسألة المثليّة… فالمثليّون يرون أنهم طبيعيّون تماماً، وأنّ تلك النزعات التي تتعارض مع المسرى العام لمجمل الإنسانية هي نزعات مشروعة على الإنسانية القبول بها، والتعايش معها كواقعٍ غير قابلٍ للتغيير… وكلّ الذي يجب أن يحدث إزاءها هو القبول والاحترام وعدم التفكير في تغيير هذا الواقع… وكأيّ ظاهرة أخرى في الجسد الغربي، تبدأ جدلية لا تلبث أن تخبو ومن ثمّ تتلاشى ويتمّ القبول بها لاحقاً ثم لا تلبث أن تصبح شيئاً عاديّاً لا يستدعي المناظرة… ثم تظهر أجيالٌ بعد ذلك يكون هذا التوجّه الشاذ قد أصبح أمراً واقعاً وعرفاً عاديّاً يتعامل معه كواقعٍ عادي.

حينما أتينا إلى أميركا قبل ما يربو على الثلاثين عاماً كانت ال F word لا تستعمل إلّا لماماً… وحينما يذكرها أيّ شاب مراهق كان ذلك مستهجناً… الآن… سمعت شريطاً مسجّلاً لزوجة الرئيس ترامب تتحدث مع إحدى صديقاتها، وتمّ تسريبه الى الإعلام مؤخراً… استعملت فيه الـ F word أكثر من استعمالها للكلمات الأخرى. لديّ وجهة نظر في ذلك… يُستَهجنُ الشيء في البداية… ثم يُقبل به لاحقاً… فنجد أنفسنا بعد جيلٍ او جيلين وقد تمّ استيعاب كلّ التصرفات والممارسات والأفكار الشائنة، ومن ثم أصبحت عُرفاً وشيئاً مقبولاً لا تُجادل شرعيّته…

أرى في ذلك انهياراً جذبيّاً للمادة… ولكنه صامت… نفس ما يحدث في الثقوب السوداء، ولكنه في حالة الثقوب مدوٍّ وهائلٍ ومحسوس، وفي الحالة الإنسانية هادئ وسلس وغير محسوس… تجد الإنسانية نفسها بعد ذلك وقد أصبح الشائن من الأمور مقبولاً والمعيب في معايير الماضي أمراً لا بأس به.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى