نصرالله واليأس من القضاء
ناصر قنديل
– لا يمكن توصيف الموقف الذي جمع تعليق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول التعامل القضائي في ملفي انفجار مرفأ بيروت ومجزرة الطيونة بغير اليأس من القضاء، ويبدو أن المراجع القضائية التي أوصلته إلى هذه المرحلة لم تقم الحساب لخطورة وصول أي مواطن لبناني لليأس من القضاء، فكيف عندما يكون المعني هو قائد الحزب الذي تشهد سنوات طويلة على كونه الجهة الوحيدة التي تعرض ناسها لإطلاق النار في التظاهرات، وسقط من بين صفوفه شهداء وجرحى في محطات عديدة منها، وقرر وهو المدجج بالسلاح حتى الأسنان، أن المرجع الوحيد الصالح لإعادة الحق إلى نصابه هو القضاء، فهل سأل المرجع القضائي المعني نفسه ماذا سيحدث لو تكرر أي من هذه الحوادث كالتي حدثت في خلدة أو الطيونة أو جسر المطار أو مار مخايل أو حي السلم وسواها، لا سمح الله، فهل يمكن للسيد نصرالله أن يخرج بعد كل ما جرى أن يخرج على الناس داعياً لضبط النفس والاحتكام للقضاء ليقول الكلمة الفصل، وإذا لم يخرج السيد بهذا القول ماذا يمكن أن يحدث في فورة دماء الغضب بعد كل حادث، وهذا يمكن أن يتكرر في بلد كلبنان تبذل أموال طائلة لجره إلى الاقتتال الداخلي، وهل يحق للمرجع القضائي رفض القول إن من مترتبات القرارات التي ضربت عرض الحائط بالمناشدات لتصويب المسارات قد تسببت بدفع لبنان إلى حافة هاوية خطيرة، بدفعها الفئة الأكثر شعبية، والأكثر تسلحاً بين ناسها بمعزل عن سلاحها الحربي المنظم، والأكثر نزفاً تحت الاعتداءات المتكررة، والأكثر التزاماً بالاحتكام للقضاء لمنع الانجرار للفتن، لتقول إنها يئست من المعالجات القضائية؟
– لسنا بصدد الفذلكات القانونية للمواقف وخلفياتها القانونية والسياسية، والتدخلات التي رافقت أو سبقت صدورها، بل لنسأل ما هي الصورة التي يراد رسمها حول قضية تشكل أصل الانتظام العام، وهي الامتثال للقضاء، عندما يعلن رئيس حزب القوات اللبنانية علناً تمرده على المثول أمام مرجع قضائي، ويتم سحب الطلب والتراجع عن الدعوة في اليوم التالي، وعندما يعلن أمين عام حزب الله دعوته للقضاء لمراجعة مسار المحقق العدلي لصالح مسار آخر منصوص عليه في الدستور، تحت سقف أن الاحتكام للقضاء في ظل النصوص الدستورية يجب أن يبقى فوق الجميع بلا تمييز، ويضرب بدعوته عرض الحائط، ويعلن المحقق العدلي حاكماً عرفياً للبنان، حيث لا مهل تحكم عمله ولا طرق مراجعة تصده، حتى لو قيل أمس إنه بات هناك محكمة مناط بها النظر في المراجعات، فالثابت بعد قرارات رد كل المراجعات من أعلى هيئة قضائية تنظر بالقضية هي الهيئة العامة لمحكمة التمييز، أنها وضعت سقفاً لكل مراجعة مماثلة، فيصير سؤال السيد نصرالله عن وجود قاض يجرؤ على رد المحقق العدلي، جواباً ضمنياً بالاستحالة، كيف وأن القاضي المطلوب منه النظر في طلبات المراجعة، سمع قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز وسيتخذها سقفاً، ويرى من حوله الاتجاه الحاكم للمسارات القضائية على أساس الاستقطاب الطائفي الخطير، ووجود لوبيات تضم مرجعيات روحية عليا ومرجعيات سياسية وقضائية وحقوقية وشعبية ومدنية، مستعدة للتحرك والضغط، وإذا اقتضى الأمر التشهير والشتيمة وفتح الطريق لاقتحام مكاتب القضاة وختمها بالشمع الأحمر، وملاحقة القاضي إلى بيته وملاحقة أولاده في مدارسهم، كيف وأن القاضي يسمع أن الكونغرس الأميركي يسمي هذا المحقق بالاسم ويشيد بنزاهته وشفافيته ويحذر من تقييد حركته، فيتذكر العقوبات ومنع السفر، ويتساءل هل اطلع الكونغرس على التحقيق ليصدر حكمه، فإن حدث ذلك مصيبة، أم أنه لم يطلع لكنه يصدر موقفاً في السياسة والمصيبة أعظم، والسؤال هنا هو للمرجع القضائي هل يأمل بأن تبقى بقية باقية لقضاء عندما يكون القاضي تحت وطأة إرهاب بهذا الحجم، فهل يسأل لماذا تتم الاستقالات؟
– يعرف القضاة الكبار والمسؤولون أن انفجار المرفأ خضع للتطييف منذ البداية، وأن اختيار المحقق العدلي لمرتين خضع لمعيار طائفي، وأن قاضياً أحيلت له إحدى قضايا الرد تم ترهيبه طائفياً وصولاً لإقصائه استجابة لطلبات بخلفيات طائفية، وأن لجنة أهالي الشهداء تمزقت طائفياً، وأن الشارع الذي انفجر في قضية الطيونة وقبلها خلدة محكوم بالاستقطاب الطائفي، وأن السلم الأهلي لا يحفظه الجيش ولو بلغ عديده مليون جندي ما لم يكن هناك سقف للأمان اسمه اللجوء للقضاء، وثقة الناس والقيادات بحياد القضاء وأهليته، فهل يعرفون ما يفعلون بتعريض هذه الثقة للاهتزاز، وما هو النص الذي يضعونه في أفواه القادة بدلاً من نص الاحتكام للقضاء، بعد أي حادثة خطيرة كالتي مرت علينا، ونحن معرضون ليمر علينا مثلها، وهل من بديل غير المخاطرة بالسلم الأهلي، يكفي للجواب أن نتخيل لو وقعت مجزرة الطيونة بعدما وصل السيد نصرالله إلى هذا اليأس الذي عبر عنه اليوم، ولم يرد التوسع في الملف تفادياً لمخاطر المزيد من الشرح والتوسع، فماذا نتوقع منه أن يقول، طالما أن نص الاحتكام للقضاء سحب من بين شفتيه بمرارة، هل من نص آخر لديكم، أفيدونا يرحمكم الله.