واقع مرير… ومستقبل مجهول
} شيرين أسامة القادري
قبل عامين وحين دخلت كورونا إلى لبنان، تسبّبت بحالة ذعرٍ لدى اللبنانيين نظراً لما أدّت إليه من وفيات في أنحاء العالم.. لكنها اليوم لم تعد مرعبة للشعب اللبناني، لأنّ فيروسات أخرى فتّاكة وأشدّ رعباً منها أصبحت منتشرة، تنهش جسد وطن على مساحة 10452 كلم² ألا وهي قلة الأخلاق والضمير وانعدام الرحمة والإنسانية
رغيف الخبز، منقوشة الزعتر، كعكة الفقير، بونجوس الهرم، شوكولا unica لم يعد أيّ منها بمتناول الفقراء. فالأسعار قفزت إلى ما شاء الله.
أسئلة عدّة تطرح نفسها حيال الأزمة الاقتصادية الخانقة، والغلاء المعيشيّ المستفحل في لبنان.. إذا أردنا تعداد المصائب التي يعيشها المواطن اللبنانيّ يومياً، من كثرتها وتشعّبها لا نعلم فعلياُ من أين نبدأ العدّ!
فهل نبدأ من استمرار الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الذي ما زلنا منذ عامين حتى اليوم لا نعلم من الذي يتحكم تارة بارتفاعه وتارة أخرى بهبوطه؟ أو ارتفاع سعر صفيحة البنزين بعدما كانت 24 ألف ليرة قبل الأزمة؟ أو ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات وحرمان المواطن من أبسط حقوقه المعيشية..؟
«زوروني كل سنة مرّة حرام تنسوني بالمرة..» لسان حال كل مواطن لبنانيّ، لا سيما السيدات اللواتي ينتظرن الكهرباء بفارغ الصبر، فتعلو زغاريدهن عند مجيئها 60 دقيقة وأحياناً 120 دقيقة كلّ 24 ساعة، فيتوجهن مسرعات نحو الغسالة لغسل ملابس عائلاتهن، إذا لم تكن المياه مقطوعة طبعاً.
تُعاني معظم العائلات من انقطاعٍ دائم لشبكة المياه في المنازل بسبب عدم توفر شبكة الكهرباء، وأيضاً بسبب الجفاف والشحّ في الآبار والسدود والمصادر الأخرى التي يتمّ الاعتماد عليها لتوزيع المياه، مما يؤدّي إلى عجز في تشغيل المضخات.. فتلجأ لشراء براميل من أصحاب «السيترنات» أكثر من مرة في الأسبوع لقضاء حاجاتها على الأقلّ!
«وين كنت؟ والله صرلي كم ساعة واقف عالمحطة ناطر دوري لعبّي بنزين…» لم يسلم أيّ لبناني طوال فصلي الربيع والصيف من هذا السؤال الذي تغيّر حالياً وأصبح لماذا لا تذهب في سيارتك إلى العمل؟ يردّ المواطن ببساطة لأنّ راتبي لا يكفي لتعبئة البنزين..
ماذا نخبركم عن أسعار المحروقات التي يمكن وصفها بالخيالية!؟
فبعد معاناة المواطنين وإذلالهم ووقوفهم في طوابير قد تصل أحياناً منطقة بمنطقة أخرى على المحطات لتعبئة البنزين، الأمر الذي أدّى إلى العديد من المشكلات في مختلف المناطق اللبنانية وسقوط عدد من القتلى في إشكالاتٍ استخدمت فيها أسلحة نارية، وأيضاً في حوادث سير بسبب الزحمة الخانقة أمام المحطات نذكر منها: وفاة الشاب محمود دلباني أثناء انتظار دوره في الطابور إذ اصطدمت شاحنة كبيرة بعدد من السيارات فتوفي على الفور.
ونذكر الحادث المأسويّ الذي سبق وفاة الدلباني بشهر، فسرق حياة أم وبناتها الأربعة إثر حادث سير مروع كان سببه اصطدام سيارة العائلة بسيارة سلكت طريقاً عكس السير للوصول إلى محطة البنزين.
حوادث وحوادث… إذا أردنا تعدادها لن ننتهي!
بعد رفع الدولة الدعم عن المحروقات، لم نعد نشهد تلك الطوابير، فبكلّ بساطة أصبح سعر صفيحة البنزين على 323,000 ليرة، فأضحت غير متاحة للجميع.
لا يمكن الحديث عن الكهرباء والمحروقات دون المرور على الجشع والطمع الذي يتمتع به معظم من يمتلكون مولدات خاصة في لبنان.. تجد كلّ منهم يُغني على ليلاه مستغلين الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية الصعبة للناس، إذ أصبحت فواتير الاشتراك الشهرية كما تحلو لهم وليس كما يجب أن تكون على «العداد» أيّ موحدة في كلّ لبنان.
الله يشفيك ويعافيك، العناية الإلهية تلطف بك.. هذا ما ندعو به لمن يعانون أمراض مزمنة، وماذا عسانا أن نقول غير ذلك بعد رفع الدعم عن الأدوية من قبل الدولة التي ما تركت «شعرة معاوية» بينها وبين شعبها ليحترمها ويثق بها!
بعد الاحتكار، التلاعب بالأسعار ورفع الدعم عن الأدوية، يصحّ وصف أسعارها بالهستيرية. وأن طرق أبواب الصيدليات بعد اليوم أشبه بالمستحيل وغير مقدور عليه للجميع؛ فالأدوية طارت مُحلقة في السماء من شدة ارتفاع أسعارها، وشفاؤك أيها المريض أصبح متروكاً لربّ السماء.
دولة غائبة تماماً عن وجع شعبها، ولا نرى من المعنيين إلاّ مؤتمرات صحافية لا تُجدي نفعاً، يطلقون خلالها جملة من الأكاذيب والوعود التي تبقى كلاماً في الهواء، ولا يغفل أيّ مسؤول عن رمي التهم على غيره ولا أحد يتجرأ على الإعتراف بخطئه.
بلمحة بصر تأتي الكهرباء وبلمحة تختفي.. يوم تأتي المياه وأسبوع تنقطع.. ساعة يعلو الدولار وساعة ينخفض.. نودّع مصيبة ونستقبل أخرى مكانها.. نغفو على أسعار ونستيقظ على أخرى ولا حسيب ولا رقيب لكلّ ما يحدث!
هذا المسلسل اليومي الذي يشهده العالم عن لبنان ليس من الخيال، بل هو من صميم الواقع اللبناني الذي تتجسّد معاناته بأبطالٍ حقيقيين يعيشون على شفير الهاوية مواجهين حتمية الموت، كلّ ذنبهم أنهم يعيشون في وطنٍ سلطته خارج نطاق الخدمة.
في ظلّ الواقع المرير الذي يعيشه المواطن اللبناني، أصبح المستقبل مجهولاً تماماً.. فلا يعلم ما هو مصيره؛ هل الهجرة الغير الشرعية التي نشهدها مؤخراً؟ أم الانتحار الذي ازدادت وتيرته بسبب اليأس؟ أو هل نصل إلى برّ الأمان بقدرة قادر؟