هل سيرسم المجلس المركزيّ معالم استراتيجيّة وطنيّة جديدة؟

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

يتوقع الشعب الفلسطيني أن تكون الدورة المقبلة والقريبة للمجلس المركزي الفلسطيني، مهمة تاريخاً ونوعاً، وتحدث تغييراً جوهرياً في مسارات العمل الوطني الفلسطيني يرتقي الى مستوى تحديات المرحلة وانعطافاتها التاريخية، فالخطر داهم وجدي على قضية الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، ولسنا في حاجة الى بيان ختامي يصدر عن المجلس مثل بيانات القمم العربية يعيد التأكيد على المبادرة العربية للسلام التي لفظتها «إسرائيل» مرة ومرات وركلتها يساراً ويميناً وما زال العرب متمسكين بها ويهبطون في سقفها في كل قمة يعقدونها ويستجدون «اسرائيل» لقبولها. ولسنا في حاجة الى الإنشاء في الإشادة والمدح والتبجيل لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو على دعمهم ومساندتهم القضية الفلسطينية، تلك القضية لو سلمت من مؤامراتهم لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن. وكذلك لا نريد اللازمة الممجوجة من عبارات الإدانة والاستنكار للممارسات «الإسرائيلية» ودعوتها إلى القبول مبادرة السلام العربية.

لا نريد من هذا المجلس أن يؤكد على دعم ثبات الرئيس وصموده ورفضه الضغوط والإملاءات «الإسرائيلية» والأميركية ودعم خيار السلطة ونهجها و»صحة» موقفها وخيارها، ولسنا في حاجة إلى بيانات الدعوة وخطبها والتاكيد على السير بخطى ثابتة، وهي ليست ثابتة أو جادة في إنهاء الانقسام، وما له من مفاعيل وتداعيات ضارة على الشعب والأرض والقضية، فهذه الديباجات والخطب والإسطوانات المشروخة ملّها شعبنا وبات يحفظها عن ظهر قلب، ويعرف أن ذلك مجرد أقوال وبيانات وشعارات وتصريحات للاستهلاك والإعلام ليس أكثر ولا أقل.

عندما نتطلع الى أن تكون دورة المجلس المركزي هذه دورة نوعية بكل المعايير والمقاييس، فذاك يعني أولاً أنه يجب أن يعاد الاعتبار إلى هذا المجلس، وأن يُحترم ما يصدر عنه من قرارات، كي تكون له هيبة وثقة وقيمة، وليس الضرب بعرض الحائط تلك القرارات وتجاوزها والالتفاف عليها، كذلك الاستراتيجية الجديدة التي يجب رسمها، ودعمها بقراءة دقيقة ومعمقة لمجمل التطورات والتغيرات دولياً وإقليمياً وعربياً، وكيفية الإفادة من تلك التطورات والمتغيرات في معاركنا وكفاحنا ونضالانا ضد العدو الصهيوني، كذلك في ضوء ما وصلت إليه المفاوضات من إسنداد أفق، حتى لو أعطيت جرعات تنفّس اصطناعي، فهي لم تبق مجدية بل عبثية وضارة، ويفيد منها الاحتلال في فرض مشاريعه واستكمالها على الأرض. بالتالي، يجب ألاّ يكون خيارنا التوجه نحو الإنضمام الى المنظمات والهيئات والاتفاقيات الدولية، شكلاً من أشكال التكتيك الضار والبائس لنحسّن شروط العودة للمفاوضات، بل يجب أن نعمل على تغيير قواعد الاشتباك مع العدو في الساحات والميادين كل وبأشكال النضال كافة.

يجب أن يتوقف المجلس المركزي جدياً، لترجمة ما اتخذ من قرارات سابقة حول تفعيل وإعادة الإعتبار الى منظمة التحرير على نحو جدي وحقيقي، كذلك وقف تغوّ!ل السلطة وسيطرتها على قرارات المنظمة وتجويفها خدمة لمشروع سياسي معين. ويجب أن تجرى الإنتخابات لهيئات المنظمة، تحديداً للمجلس الوطني الذي لا يعرف من هم اعضاؤه فمنهم من غادر الدنيا ومنهم من أصابه الخرف والباقون معظمهم مجرد ديكور، يدعون للتصويت والمصادقة على قرارات جاهزة، كذلك أعلى هيئة في المنظمة اللجنة التنفيذية . نتحدث عن الديمقراطية الفلسطينية الخادعة والكاذبة، وهي غير مختلفة كثيراً عن ديمقراطية النظم العربية، فهناك من هو موجود في عضويتها منذ أربعين عاماً وحتى اللحظة الراهنة لا يجيد التعامل او التعامل مع الوسائل التكنولوجية، وبينهم من يصرح في الغرب والقضية في الشرق، وكان الله في عون شعبنا الفلسطيني.

يجب ان يتاح المجال جدياً لأجل أن تتمثل حماس والجهاد في المنظمة وهيئاتها وفق أحجامها وحضورها في المجتمع الفلسطيني، فمن غير المعقول أن يكون هناك من هو مقرر في الشأن الفلسطيني وممثلاً في لجنتها التنفيذية وحضوره وتأثيره ووزنه الشخصي والحزبي والجماهيري وعطاؤه وإنتاجه لا يتعدى شيخاً من فخذ حمولة أو عائلة. كذلك ما الفائدة والحكمة من وجود من هو في اللجنة التنفيذية للمنظمة ولا يتحكم في أطرافه لكي يتحكم في رقاب شعبنا ومصيره، كما هي حال المرشح للرئاسة الجزائرية بوتفليقه؟!

المجلس المركزي يجب أن يتوقف أمام عناوين مركزية، عناوين في حاجة الى أجوبة نوعية، وليس مجرد أحاديث وإنشاء عابر،ما هو وضع السلطة في المرحلة المقبلة لناحية الدور والوظيفة والمهام والمسؤوليات، والعلاقة بين السلطة والمنظمة، والعلاقة بين المنظمة والسلطة والوضع الناشئ عن حصول فلسطين على دولة مراقب في هيئة الأمم المتحده وما استتبعه من التقدم بطلبات عضوية في العديد من منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة؟ وهل سنمضي في عضويتنا في باقي المنظمات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟ تحديداً محكمة الجنايات الدولية واتفاق روما؟

هل سنتخلي عن نهج المفاوضات وخيارها؟ هل سنتجه نحو خيار الصمود والمقاومة؟ وما هو نوع المقاومة الذي سنعمل على تطويره وممارسته في المرحلة المقبلة وما ردود الفعل المتوقع حصولها لدى وقف المفاوضات؟ وكيف سنواجه التبعيات المترتبة على مثل هذا القرار؟ وهل سيكون سيناريو حل السلطة مطروحاً؟ وماذا عن جيش العاملين والموظفين المرتبطين بالسلطة وجزء كبير منهم رهن حياته بتفاصيلها المختلفة لمؤسسات النهب الدولي»بنك وصندوق نقد دوليين»؟ وهل سيتخلّى الذين نمت مصالحهم وامتيازاتهم من وجود السلطة كمشروع استثماري عن تلك الإمتيازات؟ وهل سيعاد الاعتبار للحركة الوطنية بمختلف ألوان طيفها السياسي، بعد تحييد الكثير من كادراتها وقادتها بالوظائف والامتيازات والرتب والرواتب؟

المجلس المركزي أمام مهمات جسام وقرارات يجب أن تكون على درجة عالية من الأهمية وترتقي الى حجم التحديات المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني، فالهجمة الآن تستهدف تصفية المشروع الوطني ووأد قضيتنا إلى الأبد، لذا بات ملحاً ومطلوباً من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المقبلة رسم معالم استراتيجية وطنية جديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى