هل خطة جعجع الغالبية أم تدمير الحريري؟
ناصر قنديل
– يعرف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن التمديد لمجلس النواب قد جرى لمرتين متتاليتين بين انتخابات 2009 و2018، وكانت الغالبية التي كرس التمديد بقاءها لصالح الحلف الذي كان أحد أركانه ضمن تحالف 14 آذار، وليس لصالح حزب الله وحلفائه، وأن هذه الغالبية هي نفسها التي انتخبت العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لأسباب لا صلة لها بالحسابات والرهانات المحلية الملفقة التي يروج لها، بل لأن نتائج الحرب في سورية بعد معارك حلب أنشأت واقعاً إقليمياً يشبه الوضع الإقليمي الذي نشأ بعد انتفاضة 6 شباط عام 1984، فصوت يومها المجلس النيابي الذي أقر اتفاق 17 أيار على إلغائه، كما صوت مجلس غالبية جعجع على انتخاب العماد عون رئيساً، وهو الرئيس الذي قال السعوديون مبكراً وقال جعجع متأخراً إنه الرئيس الذي سلم البلد لحزب الله، وهو بالمناسبة ذات الرئيس الذي يقول جعجع اليوم إن «مأزق حزب الله الوجودي»، كما يصفه جعجع، في قضية تحقيق المرفأ، عائد لرفضه السير بما يريده الحزب، فهل يفيد الدخول في مناقشة أكاذيب تنفي بعضها على قاعدة وهم أن سلب السالب إيجاب؟
– بالعودة إلى الحساب الانتخابي يعرف جعجع أن ثمة طرفين فقط وحصراً يتعرضان لمعركة وجودية في الانتخابات، هما شريكا التسوية الرئاسية، تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وأن حفاظه على وضعه الانتخابي وحجم كتلته النيابية ليس إنجازاً يعتد به وبطولة تستدعي التباهي والتعالي، فحاله كحال الحزب التقدمي الاشتراكي، وكتل أخرى منها كتلة النائب السابق سليمان فرنجية، أما من يفترض أنه الخصم، أي حزب الله فحاله أفضل بكثير باعتراف الأميركي والسعودي وجعجع ومن معهم بصلابة الكتلة الشعبية التي سيمثلها الثنائي حركة أمل وحزب الله في الانتخابات، والحرب على التيار الوطني الحر وتيار المستقبل معلنة، ومشروع جعجع هو محاولة استثمارها لتكبير حجمه وليس لصناعة غالبية يعرف أنها فوق قدراته، وأن تكبير حجمه النيابي سيتم على حساب السعي لنيلها، لأن المطلوب لتكبر حصة القوات العبور على جثة المستقبل ونهش لحمها لوراثة بعض جمهورها وربما نوابها بمعونة سعودية، في تتمة لما بدأ في فندق الريتز قبل أربعة أعوام، وهذه مقبرة تكوين غالبية، فبقاء كتلة المستقبل يعني حرمان القوات من تحسين نتائجها، بل ربما ينتج ضمورها بحكم التباين الشديد الوضوح بين رئيس الكتلة وحزب القوات، واستحالة تجيير الأصوات لحساب القوات في بعلبك وعكار وزحلة وبيروت والمتن وبعبدا، وكلها دوائر فيها مصوتون سيرث جعجع بعضهم مع تفكيك كتلة المستقبل، وسيخسرهم إذا خاضت الكتلة ورئيسها الانتخابات.
– يخوض جعجع معركته على كتف قرار سعودي بتدمير كتلة المستقبل، وهو يعلم أن الأمور كما تقول الإحصاءات، بين نيل القوت كتلة من 10 نواب من دون تصويت الناخب التقليدي للمستقبل لصالح مرشحيه في سبعة دوائر انتخابية، وهو ما سيحدث حكماً إذا قرر الرئيس سعد الحريري خوض المعركة الانتخابية، أو كتلة تضمن فوز مرشحيه بدعم أصوات الناخب السني في هذه الدوائر، وهذا شرطه منع الرئيس الحريري من خوض المعركة الانتخابية، وترك الناخب السني عرضة للتقاسم بين القوات بدعم سعودي، والتيارات المتطرفة بدعم تركي، ونيل المنافسين التقليديين للمستقبل ومنهم الرئيس نجيب ميقاتي وحلفاء حزب الله في اللقاء التشاوري نصيباً من أصوات هذا الناخب، وجعجع لا يمانع من تكبير حجم خصومه الذين يقول إنه يخوض معهم معركة الغالبية النيابية، مقابل أن يكبر حجمه ويزيد حصته على أشلاء حليفه الذي يدين له جعجع بولادة حركة 14 آذار، والذي أخرج جعجع من السجن، بينما أدخله جعجع سجن الريتز، ويسعى لإكمال دفنه سياسياً في الانتخابات.
– في الخيار بين فرصة ضئيلة لنيل غالبية عاجزة عن التماسك لقتال حزب الله، كما كان الحال بين عامي 2009 و2018، لمنع تكرار ذات النتائج، قرر السعوديون مشاركة جعجع المغامرة، والسير على أشلاء تيار المستقبل، ليرث جعجع بالإضافة للأصوات التي كان ينالها بالتحالف معه، وفوقها كتلة ناخبين وربما نواب يضعهم السعودي كوديعة في كتلته لتكبيرها، يتباهى جعجع بالفوز بالقرار السعودي حتى الآن بالسير بخيار إنهاء ثلاثين عاماً من الحضور تحت عنوان ما عرف بالحريرية والانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها دعوة الشارع التقليدي المساند للسعودية في البيئة الإسلامية للسير تحت قيادة جعجع، لأنه مستعد لقتال حزب الله، والتخلي عن حلم نيل الغالبية النيابية، وإذا كان جعجع يعتبر أن الغاية تبرر الوسيلة ولا مشكلة لديه في دفن حليفه ليصعد على جثته، فعليه فقط التوقف عن الترويج لكذبة الحديث عن الغالبية التي أضاف اليها «زودة البياع « يوم شارك بانتخاب العماد عون رئيساً، والبياع معلوم.
– أما المعركة على التيار الوطني الحر فهي أيضاً ليست خافية، وقد أعلنها جيفري فيلتمان كشعار لثورة 17 تشرين من اليوم الأول، ولا يخفيها السعوديون بحديثهم عن هيمنة حزب الله على الدولة، ويقصدون تحالف الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر مع حزب الله، على رغم معرفتهم بلا صدقية التوصيف مع غياب نفوذ الحزب والتيار عن الملف المالي وقيادة الجيش، وفي ظل ما يجري في القضاء ويصفه جعجع بالمأزق الوجودي لحزب الله، وبالمقابل اعتباره أن الرئيس عون والتيار هما أحد أسباب هذا المأزق لرفضهما السير برغبات الحزب الذي يفترض أنه يهيمن بسبب تبعية الرئيس والتيار له، ولكن الأميركيين والسعوديين يتحدثون في كل مجالسهم بلا جدوى الرهان الذي وضعوه على جعجع لوراثة نسبة من جمهور التيار الوطني الحر في الانتخابات المقبلة، وهو ما تؤكده الإحصاءات التي قام جعجع بإجرائها بالتعاون مع السفارة الأميركية عبر شركتي إحصاء مختلفتين، ومثلها لا جدوى السعي لجمع مرشحين يحملون راية المجتمع المدني مع جعجع ومرشحيه تحت عنوان جبهة واحدة، بعد محاولات متعددة لهذا الجمع، ومثلها لا جدوى الرهان على تشكيل جبهة مستقلة لما يسمى بمرشحي المجتمع المدني، على رغم مساع حثيثة بهذا الاتجاه، بحيث تدور المعركة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على أصوات الناخب السني التي نالها التيار بتحالفه مع الرئيس الحريري في انتخابات الـ 2018 ويسعى جعجع لحرمانه منها في انتخابات 2022، مراهناً على تجريد التيار، الذي خسر تحالفات جاءت بها رئاسة العماد عون، كميشال معوض ونعمت أفرام وسواهما، من خمسة مقاعد إضافية يعتقد جعجع وفقاً للإحصاءات أنها حسمت بأصوات الناخب السني في المتن والكورة وبيروت الأولى وبعبدا.
– هل هذه هي معركة مواجهة حزب الله لتغيير وجهة لبنان الإقليمية، وفتح الطريق لتغيير سياسي يشكل باب حل الأزمات، تحت عنوان سراب غالبية تفضح كذبتها حصيلة السعي استبدال مجموع 35 نائباً نالهما تحالف القوات والمستقبل، بسقف 25 نائباً يسعى جعجع لنيلها بضم نواب وأصوات من وراثة تدمير تيار المستقبل إلى كتلته، بينما صورة المجلس المقبل ستبقى لمجموعة أقليات، ستبقى أكبرها ما يمثله ثنائي حركة أمل وحزب الله، وسيبقى لتكتل يقف في الوسط المكون من مصدرين رئيسيين يقودهما كل من النائب السابق وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي، تميل موازينه وفقاً لمتغيرات المشهد الإقليمي كما تقول السوابق الكثيرة، ليشكل بيضة القبان في تكوين غالبية متقلبة وغير متماسكة، تبقى أفضل لحزب الله من الغالبية المتماسكة التي جاءت برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وستكون أفضل منها الغالبية التي ستأتي بالرئيس المقبل؟