أصحاب الحياد والفيدرالية يريدون الفوضى فقط
ناصر قنديل
– منذ سنتين وفي أعقاب أحداث 17 تشرين 2019 ، خرجت بقوة ووضعت في التداول نظريات سياسية وتبنتها مراجع كبيرة، ما أوحى بجدية هذه الطروحات من جهة، وأنشأ جدلاً واسعاً حولها بين مؤيد ورافض، ولدى تفحص هذه الطروحات ستظهر من بينها دعوة الحياد والدعوة للفدرالية في المقدمة، ويظهر فوراً أنهما كغير طروحات مشابهة تنطلقان من سياق تفكيري واحد، هو السياق الذي بنيت عليه الحملة الأميركية ضد المقاومة، وقوامها تحميل المقاومة مسؤولية الأزمات القائمة في البلد، بينما تبدو وظيفة الدعوات المرافقة تثبيت معادلتين في اللاوعي الجمعي لجماعات لبنانية، الأولى ربط مشكلات لبنان بالمقاومة، والثانية تأكيد استحالة العيش مع المقاومة وطروحاتها، أكثر مما هو السعي لتحقيق هذه الطروحات، التي يبدو لدى تفكيك منطقها، أن الحوار الوطني بين المقاومة ومخالفيها طريق أقصر للتفاهم من الدعوة المسبقة للطلاق المستحيل.
– النظر في الدعوة للحياد بمعزل عن صحتها، من زاوية واقعيتها، أي قابلية تحقيقها، يبدأ من طرح سؤالين، الأول يتصل بشرط التقدم بها نحو الخارج المطلوب موافقته ودعمه وحماسته، والشرط هو وجود توافق وإجماع وحماسة في الداخل لحساب الدعوة للحياد، والتدقيق في هذا الشرط في البحث عن الحد الأدنى للحد الأدنى لأدنى إمكانيات التوافق من دون طلب الحماسة، سيوصلنا إلى أن التلاعب بمفهوم الحياد لوضع استثناء رئيسي فيه هو العداء مع «إسرائيل»، يمكن أن يزيل بعض التحفظات الداخلية على الدعوة، ويمنع تحول الدعوة للحياد من دون مراعاة هذا الشرط التوافقي سيذهب بلبنان إلى حرب أهلية وحرب مع سورية، التي لا يمكن لطلب الحياد أن يحظى بالجدية من دون موافقتها وفقاً للقواعد القانونية لطلبات الحياد، وعندما ننطلق من إجماع داخلي مشروط بالعداء لإسرائيل نحو الخارج ونسأل ما هو الشرط الخارجي الذي يضمن الحد الأدنى من الحد الأدنى لأدنى مقومات القبول الغربي، خصوصاً الأميركي بحياد لبنان، سنجد أنه بوضوح لا لبس فيه أن يكون هدف الحياد هو الحياد عن الصراع مع «إسرائيل»، ويسهل علينا هنا معرفة أن دعوة الحياد مفخخة يتكفل شرطها الداخلي وشرطها الخارجي بتفجير فرصها من الطلقة الأولى.
– الدعوة للفيدرالية تنطلق بلسان الدعاة إليها من شروحات نظرية وقانونية، كما هو الحياد، لمنح النظرية شرط الفخامة، فيشرحها متخصصون قانونيون درسوا النموذج السويسري، ويسرفون في شرح الكيفية التي تدار بها المقاطعات والكانتونات، ومقابلهم آخرون درسوا النموذج البلجيكي ويقفون يباهون بقدرته على إدارة التنوع، فيجيبون على سؤال غير السؤال المطروح، ويبقى السبب في مكان والنتيجة في مكان، فمنطلق البحث في الفيدرالية سياسياً هو القول إن سياسات المقاومة لا تلقى إجماع اللبنانيين، وأن جماعات لبنانية طائفية غير مستعدة لتحمل تبعات هذه السياسات، سواء لجهة ما ينتج من أزمات مع الدول العربية والغربية أو ما يترتب على الاقتصاد واستطراداً وضع الليرة، ومن هنا تطرح الفدرالية كجواب خاطئ على سؤال خاطئ، أو بأحسن الأحوال جواب خاطئ على سؤال صحيح، أو جواب صحيح على سؤال خاطئ، لكنها قطعاً ليست الجواب الصحيح على السؤال الصحيح، فبعيداً من صحة وعدم صحة ربط الأزمات بخيارات المقاومة، لا تشكل الفيدرالية ببساطة جواباً صالحاً، لأنها تقوم على وحدة السياسات الدفاعية والخارجية ووحدة العملة الوطنية، بينما تتيح الفيدرالية تطبيق مقاربات مختلفة لشؤون داخلية مثل قوانين الأحوال الشخصية، والضرائب، واللغات والديانات سواها من مظاهر التنوع، لحساب احتفاظ الدولة الفيدرالية الجامعة بسياسة دفاعية وسياسة خارجية وعملة موحدة، فمن يريد التخلص من عائد السياسات الخارجية والدفاعية والتحرر من تبعات ذلك على العملة لن تفيده الفيدرالية بشيء.
– الطريق المسدود لهذه الدعوات لا يبدو خافياً عن أصحابها، لكنهم على رغم ذلك يقومون بتكرارها والتشبث بها، بحيث يبدو العائد الوحيد لطروحاتهم، هو تكريس الانقسام، وزرع فكرة اليأس من تحقيق التفاهم بين اللبنانيين، وزرع نظرية تحميل المقاومة مسؤولية الأزمات، وهذه كلها وصفات للفوضى وليس للاستقرار.