الحكومة ماشية وخيباتها تلاحقها والشعب يدفع الثمن…
} علي بدر الدين
يبدو أنّ اللقاء الأخير بين رئيسي الجمهورية والحكومة في قصر بعبدا، كان إيجابياً ومفيداً ومثمراً، ويعوّل عليه، لإجراء المقتضيات السياسية والاقتصادية والمالية والقضائية، المعرقلة لعودة الحكومة إلى عقد جلساتها المعلقة على حبالها، المتأرجحة بين الأمل واليأس والإحباط، وبين التفاؤل والتشاؤم، يعني «هبّة باردة وهبّة ساخنة»، غير أنّ الرئيس ميقاتي قطع الشكّ باليقين، وقالها بالفم الملآن وعلى الهواء مباشرة، لطمأنة الشعب اللبناني، الذي لطالما انتظر بشغف وشوق وحبس أنفاسه، عند أيّ لقاء بين الرجلين، في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة، عله يسمع أخباراً طيبة تشفي غليله، وتمنحه جرعة أوكسجين جديدة ربما تعيد له بعضاً من الأمل المفقود، الذي صادرته السلطة السياسية الحاكمة منذ زمن، ولكنه، بخبرته وحنكته السياسية المشهودة له، حاول أن لا يصدم الرأي العام او يصيبه بخيبة أمل جديدة، حيث فاضت وتجاوزت كلّ الحدود، وعلى طريقة «خبر حلو وخبر مر» فبشره أنّ الحكومة ماشية، ولكن جلساتها ستبقى معطلة، وكأنه يلمح إلى مقولة بعض الأطباء «أنّ العملية نجحت ولكن المريض مات».
من عادة السلطة السياسية أن تستعين مع كلّ أزمة جديدة تفتعلها، أو تدهمها او تفاجئها بأوراقها المخبّأة ليوم الحشرة، أو تكون جاهزة غب الطلب، من أجل التخفيف من الصدمة السلبية على الناس، الذين يعبّرون عن رفضهم لهذه السلطة وقراراتها وسلوكياتها بمزيد من الاعتصام بالصمت السلمي على طريقة غاندي،
فكان لا بدّ من إطلاق التسجيل على منصة البطاقة التمويلية، المجمّد الإعلان عنها أكثر من سنة مع وقف التنفيذ، والهدف في هذ التوقيت، ليس بريئاً ولا إحساساً من السلطة مع اللبنانيين الفقراء والمحتاجين، الذين بلغوا مليونين وثلاثماية ألف لبناني، وفق تقرير البنك الدولي، على أن يكون الدفع في آذار المقبل عشية الانتخابات النيابية، ولا يفسّر توقيته، إلا على أنه رشوة انتخابية، وإلا لماذا هذا التأجيل والترحيل لدعم هؤلاء الذين شبعوا فقراً وعوزاً وجوعاً.
ما تشهده الساحة الداخلية من مراوحة وصراعات وضغوط وأزمات، تلقي بأثقالها على الدولة والشعب، لا يبشر بالخير، ولا ينبئ بأنّ الزمن الآتي سيكون أفضل، بل على العكس، الأمور توحي بتصعيد جديد بين قوى السلطة، ليس من أجل الإنقاذ والخروج من الخطر القائم، ولا من أجل كبح جماح الانهيارات المتتالية، أو للحؤول دون ازدياد إعداد الفقراء والجائعين، بل خدمة لمصالحها ولاستمرار ديمومتها السلطوية، وليكون حصاد الانتخابات النيابية الموعودة في آذار أو أيار وفيراً، ويؤمّن لها أو لبعضها، البقاء في مواقعها من دون أيّ تعديل أو تغيير.
لا البطاقة التمويلية، ولا الكابيتال كونترول ولا التدقيق الجنائي ولا الحديث عن المقايضة الوزارية والقضائية، ولا منع التجوّل بذريعة كورونا، ولا وعود السلطة للموظفين، ولا غيرها، سيقلب المشهد الطاغي سياسياً وسلطوياً وحكومياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وقضائياً وخدماتياً، لأنّ الامور إلى تصعيد وتعقيد وتفاقم في الخطاب السياسي الطائفي المذهبي، لأنّ الجميع يمّموا وجوههم إلى بيئاتهم الحاضنة استعداداً للاستحقاق الانتخابي النيابي، لأنّ السلطة همّها الوحيد، ومن بعدها الطوفان والغرق في الفقر والجوع والمرض والبطالة والهجرة.