استخدام الكلور ضدّ البيشمركة وسياسة الكيل بمكيالين الأميركية
حميدي العبدالله
اتهمت قوات البيشمركة رسمياً في مؤتمر صحافي عقده قادة أكراد تنظيم «داعش» باستخدام غاز الكلور المحرّم استخدامه دولياً، والذي أعاد قرار جديد صدر عن مجلس الأمن بالإجماع تحريم استخدامه في الصراعات الدائرة، سواء في سورية أو في العراق.
لكن اللافت في ردود الفعل على هذه الجريمة التي ارتكبها «داعش» هو الموقف الأميركي، إذ من المعروف أنّ الولايات المتحدة سارعت إلى إصدار بيان قالت فيه إنها لا تؤكد استخدام الكلور من قبل «داعش». ويعكس هذا الموقف ازدواجية المعايير من قبل الولايات المتحدة، فمثلاً عند صدور اتهامات ضدّ سورية على لسان الجماعات المسلحة والإرهابية أنّ الدولة السورية استخدمت الكلور سرعان ما يأتي تعليق الإدارة الأميركية ليؤكد الاتهام، من دون إجراء أي تحقيقات، بل تتعالى أصوات المسؤولين الأميركيين تطالب باتخاذ إجراءات ضدّ الحكومة السورية استناداً إلى هذا الادّعاء الذي يفتقر إلى أي شكل من أشكال الصدقية، لكن عندما تعلق الأمر باستخدام تنظيم «داعش» للكلور، وعلى الرغم من أنّ هذا الاتهام جاء من قبل جهة هي حليفة للولايات المتحدة، أيّ البيشمركة الكردية، إلا أنّ الإدارة الأميركية لم تسارع إلى إطلاق مواقف شبيهة بتلك التي أطلقتها إزاء سورية.
هذا السلوك ينطوي على دلالات سياسية هامة وخطيرة ومن أبرز هذه الدلالات:
أولاً، الولايات المتحدة تسعى إلى تبرئة «داعش» من أي تهمة يمكن أن يُساءل عنها هذا التنظيم الإرهابي. أيّ أنّ التواطؤ بين الولايات المتحدة و«داعش»، لا تعبّر عنه مواقف حلفائها في المنطقة، ولا سيما قناتي «العربية» و«الجزيرة» اللتين تدافعان بصراحة عن تنظيم «داعش» وتلتمسان له الأعذار، وتوفران له الغطاء لارتكاب الجرائم في العراق، بذريعة التهميش وهيمنة فئة عراقية على مقاليد الحكم في البلاد، علماً أنّ الحكومة العراقية الجديدة، وتقاسم المناصب الرفيعة في الدولة العراقية تمّا برضا الولايات المتحدة ودول المنطقة، وعلماً أيضاً أنّ إجرام تنظيم «داعش» طاول الطائفة السنية ورموزها التي تعارض سياسته بقوة لا تقلّ عن إجرامه بحق بقية الطوائف العراقية الأخرى.
ثانياً، «داعش» حليف للولايات المتحدة، على الأقلّ موضوعياً، وهي تسعى إلى توظيفه لتحقيق مصالحها في العراق على حساب المصالح الوطنية العراقية وعلى حساب السيادة الوطنية، وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة لن تعمد على الإطلاق إلى القيام بأيّ عمل عسكري أو سياسي من شأنه إضعاف تنظيم «داعش» أو توفير مناخ سياسي يقود إلى رفع الغطاء عنه وتسهيل اقتلاعه، وهنا يكمن جذر تصريحات رئيس أركان الجيوش الأميركية التي أكد فيها أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها لن يكثفوا القصف الجوي ضدّ «داعش»، وأيضاً رفض الولايات المتحدة تزويد الجيش العراقي بالأسلحة المناسبة التي تمكنه من القضاء نهائياً على د»اعش».