في أصول التقاضي
بين التهذيب والفجور تندرج أصول المثل أمام القضاء، وشرط المثول المهذب هو أدب الامتثال، وقد سبق أن رفع رئيس حزب القوات اللبنانية عشرات الدعاوى أمام القضاء بحق رموز من قوى الثامن من آذار وشخصياتها، وتوجهوا برفقة محام واحد بصمت إلى موعد الجلسة ومثلوا واقفين أمام القاضي وترافعوا بكل أدب ولم يصطحبوا مرافقين ولا مؤيدين ولا حلفاء ولا وسائل الإعلام وخرجوا من دون تصريح أو بيان وانتظروا نتائج الأحكام بكل هدوء وسلام، ولا مريدين يصفقون أو يهاجمون، وتعاملوا مع محامي الخصم بكل مهنية واحترام، وعندما صدرت الأحكام وفي كثير من الحالات لصالح الجهة المدعية تم قبول الحكم بكل احترام وتم تنفيذه بكل التزام.
عادة يمكن أن يخرج التقاضي عن هذه القواعد الصامتة والهادئة، عندما تكون السلطة هي الخصم بحق صحافي فرد في واحدة من قضايا الحرية البائنة، فيتداعى من دون دعوة من أحد جمع من المحامين وأنصار حرية التعبير ونقابات معنية لتشكيل حضور ضاغط يقول للسلطة السياسية إن استفراد الصحافيين لن يتم ولن يمر، وإن معركة الحريات واحدة.
الذي جرى أمام قصر العدل في الدعوى المقامة بحق نائب سابق في قوى الرابع عشر من آذار، رسالة ترهيب موجهة للقضاء، فالجهة المدعية لا ترهبها هذه البهلوانيات الاستعراضية، لكن الحشد السياسي والإعلامي واستقدام المناصرين، محاولة لمنح التقاضي بعداً طائفياً، والقول للقاضي إن كان مسيحياً أنه يخرج من جلده إذا حكم ضد المدعى عليه وإن كان مسلماً أنه يعرض نفسه للاتهام بالانحياز الطائفي للجهة المدعية، وفي الحالتين إبطال فرصة التقاضي.
ما تعرض له محامي الجهة المدعية من تنمر وتطاول يكشف عدم إيمان الفريق المشارك في دعم المدعي عليه بمبدأ التقاضي، على رغم وجود محامين كبار بين صفوفه، كما يكشف أدب وتهذيب الجهة المدعية والمنتمين إليها، وقيام المحامي بالشكوى لدى نقابته لتوفير الحصانة اللازمة لممارسته المهنية علامة إيمان بمبدأ التقاضي.
من يريد شيكاً على بياض لقاض بعينه ويتنمر على كل عملية تقاضٍ، ويستعظم المثول أمام القضاء يكشف أن دعمه لهذا القاضي وحده من دون سواه، نابع من ذات عقلية رفض التقاضي، فهو من دون سواه لا يقوم بمهمة قضائية بل غارق في السياسة حتى أذنيه ولذلك يلقى دعم الذين لا يقبلون التقاضي.