المؤتمر الاستثماري في شرم الشيخ بين الواقع والتوقعات
حميدي العبدالله
تراهن مصر بقوة كبيرة على احتمال أن يسفر المؤتمر الاستثماري، الذي عقد في شرم الشيخ على امتداد ثلاثة أيام، عن توفير استثمارات كافية لإخراج الاقتصاد المصري مما يعاني منه من ركود يصل إلى حدود الأزمة. بل إنّ وزيراً مصرياً معنياً بالوضع الاقتصادي أكد أنّ مصر حصدت 175 مليار دولار استثمارات جراء عقد هذا المؤتمر. ولو صحّت توقعات هذا الوزير فإنّ هذا المبلغ من الاستثمارات، ليس كفيلاً فقط بإخراج الاقتصاد المصري مما يعاني منه، بل إنّ مصر عندها سوف تتحوّل إلى نمر اقتصادي على غرار نمور آسيا الشهيرة، أو على الأقلّ اجتراح تجربة جديدة تشبه تجارب البرازيل وجنوب أفريقيا.
لكن فعلاً هل ستحصل مصر على نصف هذا المبلغ من الاستثمارات نتيجة مؤتمر شرم الشيخ؟
أولاً: تجارب مثل هذه المؤتمرات في أفغانستان وفي العراق وفلسطين بعد اتفاقات أوسلو، جميع هذه التجارب أكدت أنّ مؤتمرات استثمارية مثل مؤتمر شرم الشيخ تطلق الوعود ولكن هذه الوعود لن يتحقق منها أيّ شيء، باستثناء معونات يسيرة في بعض البنية التحتية ومرافق خدمية. وليس هناك ما يحمل على الاعتقاد بأنّ مؤتمر شرم الشيخ سوف يمثل تجربة مختلفة عن المؤتمرات الأخرى التي عقدت لإعادة إعمار العراق وأفغانستان والدولة الفلسطينية.
ثانياً: مصر يختلف وضعها بقوة عن التجارب السابقة، إذ أنّ الخلاف حول سياسات مصر الداخلية أو الخارجية يثير الكثير من اللغط، ولعل ما جاء في كلمة وزير الخارجية الأميركية في المؤتمر حول السياق السياسي الذي يحكم تقديم الدعم للاقتصاد المصري، ولا سيما لجهة القيم الديمقراطية، يشير إلى أنّ الحصول عملياً على الاستثمارات دونه الكثير من العقبات.
ثالثاً: الاستثمار وتدفق الاستثمارات يحتاج إلى استقرار سياسي وأمني، وواضح أنّ مصر ليست في وضع يؤهّلها لتدفق الاستثمار بثقة في ظلّ أوضاعها السياسية والأمنية الحالية.
رابعاً: الاستثمار الذي يقود إلى التنمية والخروج من حالة الركود لا يحتاج فقط إلى الاستقرار السياسي والأمني, وهو غير موجود في مصر، بل يحتاج إلى خطط تنموية قادرة على استيعاب عشرات مليارات من الاستثمارات وأن يكون العائد مجزياً، وهذا غير متوفر حتى الآن في مصر. فقد كان الاستقرار السياسي والأمني موجود في عهد الرئيس حسني مبارك، ولكن ذلك لم يقد إلى تدفق الاستثمارات الخارجية على النحو الذي يطلق تنمية يراهن عليها في خروج مصر من دائرة الركود الاقتصادي.
هذه الملاحظات لا تعني أنّ مصر لن تحصل على أيّ دعم جراء هذا المؤتمر، بل من المرجح أنها سوف تحصل على نوعين المساعدات، النوع الأول، المعونات والقروض التي التزمت بها بعض حكومات المنطقة، ولا سيما الحكومات الخليجية، والنوع الثاني، استثمارات رابحة في مجالات قد لا تتأثر باضطرابات الأوضاع السياسية والأمنية.