حقوق النساء في عاصمة الشعارات الديمقراطية

د. سلوى خليل الأمين ـ واشنطن

حين تطرح الولايات المتحدة الأميركية شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتجنّد لها الأبواق الإعلامية والسياسية و»الثورجية» والعملاء الواقفين بالصفّ على الأبواب بانتظار إشارات المرور الخضراء، التي توصلهم إلى العالم الحرّ من البوابات العريضة، يتخيّل كلّ إنسان في دائرة الكون الخارج عن نطاق العالم الجديد، والمسمّى زوراً العالم المستضعف، أنّ حظوظ المواطن وعلى الأخصّ النساء، في عاصمة القرارات الاستبدادية العالمية، عنيت أميركا، يتخطون العالم كله بما يحصلون عليه من حقوق تجعلهم الأعلين بين بني البشر أجمعين.

لكن الصورة الحقيقية مختلفة تماماً عن كلّ ما يصدر من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والنساء على وجه الخصوص. وبما أننا في شهر آذار، الذي يتجمّل بعيد المرأة العالمي وعيد الطفل وعيد الأمّ، إلى ما هنالك من تسميات وأعياد مصطنعة، جعلت ملهاة للشعوب التي تنتظر الفرح، حتى لو أتاها من كوة الغرب المتأمرك، لا بدّ من الحديث عن المرأة الأميركية وحقوقها في الدولة العلية.

إضافة إلى أنّ من يريد أن يحتفل بأعياد: المرأة والأم والطفل، عليه أولاً أن يعطيهم ما لهم من حقوق أقرّتها القوانين الوضعية، التي تحميها دساتير الأمم والأوطان في مختلف أقطار العالم، بحيث تتحقق المساواة بين الجنسين من ذكر وأنثى بشكل عادل، لا تشوبه شائبة، ولا تخرقه قوة جبارة، تفعل ما لا تقول وتقول ما لا تفعل، كما هو حاصل اليوم في الولايات المتحدة الأميركية.

وأنا في واشنطن في زيارة خاصة، فوجئت بما سمعته من بعض النساء العربيات الموجودات هنا، بحكم عمل أزواجهن من أبناء لبنان وطاقاته المبدعة، وهو أنّ المرأة الأميركية ليست في وضع أفضل من باقي نساء العالم، وأنّ ما يتمّ تسويقه خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية إنما هو وسيلة ضغط تمارسه هذه الدولة المتعجرفة ضدّ الدول الأخرى من أجل التدخل في شؤونها الخاصة واستعبادها بطرق وأساليب ملتوية تظهر حقيقتها في ما بعد، أيّ بعد خراب الدول وانهيارها ودخولها صاغرة في أتون السياسة الأميركية المعدّة باتقان من أجل إخضاع شعوب العالم برمّته.

لقد أذهلتني المفاجأة بالفعل، وجعلتني ألجأ إلى عملية البحث والتدقيق عن مسارات المرأة الأميركية وحقوقها المصانة، ومقارنتها بما هو حاصل في القارة الآسيوية وفي بعض دول الوطن العربي، وإذ بي أجد انّ المرأة الآسيوية استطاعت أن تكون حاكمة في الهند وباكستان وسيريلانكا وبنغلادش وكوريا في الوقت الذي لم تتمكن فيه السيدة هيلاري كلينتون من الوصول إلى سدة الرئاسة الأميركية أمام مرشح من أصول أفريقية ومسلم، علماً أنّ الأميركيين يعلمون ماذا يعني هذا في بلدهم المتعصّب دينياً وعرقياً، إضافة إلى أنه سيناتور مبتدئ وإنجازاته قليلة لا تذكر مقارنة مع منافسته في نفس الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، التي مارست مهام السيدة الأولى في ما مضى، هذا ما قالته محدثتي.

ماذا يعني هذا الموضوع، هل يعني انّ النساء في الولايات المتحدة الأميركية ما زلن مضطهدات؟ سألت، وفوجئت بالجواب الذي أنبأني عن أنّ المرأة في أميركا تتقاضى راتباً أقلّ بما نسبته 24 في المئة من راتب الرجل، حتى لو كان يقوم بنفس العمل وبنفس المهام، إضافة إلى انّ الرجل الأميركي يسيطر على المراكز المهمة في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، حتى لو رأينا وزيرات للخارجية ككونداليزا رايس ومادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون وحالياً كسوزان رايس المندوبة برتبة سفير في الأمم المتحدة ونانسي بيلوسي التي تولت رئاسة الكونغرس، إلا أنّ هؤلاء النسوة لا يمثلن طموحات المرأة الأميركية ويعتبرن توزيرهن أكبر سراب وخداع مُنيت به المرأة الأميركية والعالم بأسره، لجهة الإيحاء بأنّ المساواة بين المرأة والرجل فعل قائم في أميركا، بينما الحقيقة مختلفة تماماً، بحيث أنّ نسبة مشاركة المرأة الأميركية في الكونغرس كانت 17 في المئة في العام 2010 وارتفعت حالياً إلى ما يعادل نسبة 18,6، علماً انّ عدد النساء في أميركا أكثر من عدد الرجال بحوالى 5 ملايين إمرأة حسب إحصاء العام 2010، ونسبة الأميركيات اللواتي يحق لهن التصويت هو 46 في المئة والغالبية منهن من الطبقة الفقيرة، أليس هذا مثيراً للعجب في الدولة الحضارية التي تشنّ الحروب وتقتل الشعوب وتحطم حضاراتها، حين في الدول العربية التي تعتبر من دول العالم الثالث، قد وصلت نسبة مشاركة المرأة فيها في الحياة السياسية ما نسبته 10 في المئة حسب إحصاءات الأمم المتحدة، وحسب تقرير المواقع الإحصائية التي تؤكد ارتفاع نسبة النساء البرلمانيات في العالم العربي في انتخابات العامين 2002 و2007 من 10 إلى 16 في المئة خلال الانتخابات الأخيرة التي شهدتها دول عربية.

هذا إذا أضفنا ما تتعرّض له المرأة الأميركية من حالات الاغتصاب والإتجار بالجسد والانتهاكات والتمييز العنصري، الذي ما زال قائماً في الكثير من الولايات الأ ميركية، حيث في العام 2005 سجل مقتل أكثر من ألف إمرأة على يد أصدقائهن أو أزواجهن، إضافة إلى تقرير صدر في العام 2008 عن وزارة العدل الأميركية يثبت انّ هناك أكثر من مليون حالة اغتصاب، لهذا فإنّ المرأة الأميركية بدأت حالياً بالصراخ بقوة، وعبر صوت هيلاري كلينتون القائلة: «النساء في هذا البلد لا يتمتعن بالحقوق التي نعتقد أنها أصبحت من المسلمات»، وهذا ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال تظاهرة النساء الأخيرة في نيويورك بتاريخ 10/3/2015 حيث قال: «من بين أكبر المخاطر عدم تحقيق المساواة للمرأة أو رعاية إمكاناتها، تمكين المرأة له تأثير مضاعف على التنمية المستدامة، والمشاركة الكاملة من كلا الجنسين هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها ضمان حصولنا على أفضل الحلول، حيث معاً يمكننا أن نبني المستقبل الذي نريده».

إنّ الولايات المتحدة الأميركية تردّد شعاراتها الجوفاء من أجل ضرورة المساواة التامة بين المرأة والرجل خارج حدودها، وتجنّد وتموّل من أجل ذلك العديد من جمعيات المجتمع المدني الذين همّهم وصول المرأة إلى موقع القرار، قبل النظر في الأمور التربوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تخلق الوعي العام وتنشره كي يصبح قرار مشاركة المرأة فعلاً واجباً تتوجه إليه الدول تلقائياً من أجل تكريس بنيانها وتطوّرها الحضاري.

بصريح العبارة المساواة بين المرأة والرجل وحقوق المرأة في أميركا حبر على ورق… ومجتمعاتهم ذكورية بامتياز، بالرغم من كلّ الشعارات والحركات المصدّرة إلى بلادنا تحت مسمّيات مختلفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى