التصعيد السعودي في اليمن قبل فيينا الثامنة
ناصر قنديل
-بصورة غير مسبوقة صعد السعوديون هجماتهم الجوية على الأماكن والمنشآت المدنية في اليمن، بإعلان رسمي يقول إن المنشآت المدنية فقدت حصانتها القانونية والإنسانية، لأنها تحولت إلى غطاء للنشاط العسكري اليمني لإطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة نحو الأراضي السعودية، وكان يوم أمس ذروة للتصعيد السياسي والإعلامي في تغطية هذا التصعيد العسكري الذي أدخل مطار صنعاء رسمياً إلى لائحة الأهداف، وخلال سنوات الحرب لم يحيّد السعوديون المدنيون عن استهدافاتهم، لكنهم هذه المرة يصرحون أن المدنيين يتحملون مسؤولية التواجد في مناطق سيتم قصفها، وسيتم ابلاغ المدنيين عبر الإعلام عن ضرورة إخلائها قبل ساعات، وتأتي هذة الجولة التصعيدية تتويجاً لمحاولة إقامة ردع جوي مقابل ما أظهر اليمنيون من قدرة على مواصلة استهداف العمق السعودي على رغم الغارات الجوية السعودية، أملاً بأن يتحقق عبر هذا التصعيد ما لم يتحقق قبله.
-أصل التعقيد الذي يواجهه السعوديون سابق لتبادل قصف العمق، ومصدره التطورات الجارية في البر اليمني في غير صالح الرؤية السعودية، والحسابات السعودية، في مجالات بات من الصعب اصلاح الخراب اللاحق فيها، ولا يجيب عليها الحديث عن أن أنصار الله يتخذون المدنيين درعاً بشرياً لسلاحهم، فالإخفاق السعودي يبدأ من الفشل المتمادي خلال سنوات في تطبيق مستدام لاتفاق الرياض الذي يجمعهم بالإمارات، ويضم جماعة الفريقين السعودي والإماراتي من اليمنيين، لضمان وحدة الحركة والأداء، ويعرف السعوديون أن لا علاقة لأنصار الله في هذه الأزمة التي تحولت إلى صراع دموي دائم بين الفريقين، وإلى عجز عن تحقيق الحد الأدنى من التنسيق والتكامل، ويكفي استعادة مشهد الانسحاب الأخير من الحديدة، وبما تشهده عدن، لفهم أول وجوه الاخفاق التي باتت فوق القدرة السعودية على السيطرة.
-الوجه الثاني للإخفاق تمثل في ظهور جماعة منصور هادي التي يتخذها السعوديون واجهة لحربهم، كجماعة معزولة عن الشعب والمجتمع، فالحكومة تسكن الفنادق السعودية كما الرئيس، ووكلاء الوزارات يتوزعون فنادق الرياض و القاهرة، وجميعهم بنظر المواطن اليمني مجموعة من المرتزقة والفاشلين، وتظاهرات تعز وعدن وشبوة وسواها ضد الحكومة، تقول ما يكفي عن هذا الاخفاق، ويعرف السعوديون أنهم ما لم يتولوا مباشرة المواجهة مع أنصار الله فإن جماعة منصور هادي لا تستطيع البقاء على قيد الوجود في أي بقعة يمنية، وهذا يجلب القلق السعودي من أي حل سياسي ينتهي برحيلهم، ويجعل مصير جماعة منصور هادي شبيهاً بمصير جماعة أشرف غني الأفغانية، ومن تداعيات هذا الاخفاق هو القبول السعودي بأن تتولى جماعة الإخوان المسلمين تحت اسم حزب الاصلاح، قيادة الوضع في أكثر من محافظة يمنية بصفتها الجهة القادرة على تأمين المسلحين، لخوض المواجهة مع أنصار الله، وهذا هو الحال في مأرب.
-الوجه الأهم للإخفاق هو التطور المستدام في جبهة مأرب، لصالح أنصار الله، فالوقائع الميادنية تؤكد أن التقدم مضطرد ومتواصل في الجبهات، ولو بمئات الأمتار كل يوم، وأن التلال المحيطة بمأرب قد حسمت خلال الأيام الماضية لصالح الأنصار، ويعرف السعوديون أن التقدم يوشك على بلوغ النقطة الفاصلة، وأنه إذا وصلها صار الحديث عن ميزان القوى الذي سيحكم كل الحلول والتسويات مختلفاً، وهم يعرفون أيضاً أن هذا بات محسوماً والمسألة مسألة وقت، ولكنهم لا ينتبهون إلى أن كلامهم عن تجاوز الاعتبارات القانونية الإنسانية في استهداف الأماكن المدنية، يحرر الأنصار من هذا الاعتبار الذي يقيد حركتهم العسكرية نحو مدينة مأرب، حيث الذي يتخذ المدنيين دروعاً بشرية ليسوا أنصار الله القادمين إلى جبهات القتال بوحداتهم العسكرية وليس بجماهيرهم، بينما يحتمي خصومهم داخل معسكرات النازحين وشوارع المدينة وأحيائها.
-يحاول السعوديون خلق أمر وقائع عسكري يقوم على تجميد القتال، مقابل تجميد عمليات القصف، قبل أن تستأنف المفاوضات في فيينا في الجولة الثامنة، التي يبدو أنها ستكون حاسمة، أملاً بدخول تفاوض على الملف اليمني من دون تغييرات دراماتيكية، لكن يبدو أنهم يسرعون حدوثها بخطواتهم التصعيدية.
–