«الدولار التركي»… ما آلية أردوغان «السحرية» التي رفعت الليرة مرةً أخرى؟
وضَعَ مخطط أردوغان نهاية مفاجئة لانهيار الليرة، ولكن هناك مخاوف كبيرة من أنّ هذا المخطط يمكن أن يولد ديْناً عامّاً هائلاً ومزيداً من التضخم.
نشر موقع «ميدل إيست آي» الإخباري تقريراً للصحفي راغب صويلو، مراسل الموقع البريطاني في تركيا حول الآلية الاستثمارية التركية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً، موضحاً رأي الخبراء الاقتصاديين الأتراك والأجانب في مدى إمكانية نجاحها.
وفي البداية، أوضح التقرير أنّ كشْفَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أداة استثمارية جديدة بالليرة مقوَّمة بأسعار الصرف الأجنبي أدَّى إلى انقلابٍ في الأسواق يوم الثلاثاء وخفْضِ قيمة الدولار الأميركي بأكثر من 29% مقابل العملة التركية في يومٍ واحد.
ماذا حدث؟
أفاد التقرير أنّ أردوغان لطالما أصرّ على أنه يجب تخفيض أسعار الفائدة في تركيا، وفي أغسطس (آب) بدأ البنك المركزي في وضع ذلك موضع التنفيذ عبر سلسلة من التخفيضات على مدى الأشهر القليلة الماضية، وبعد التخفيضات المتكرّرة، انخفض سعر الفائدة الحقيقي إلى ما دون معدل التضخم إلى 14%، مما شجَّع المستثمرين الأتراك على الهروب من الليرة إلى أسواق الصرف الأجنبي.
الخروج على صندوق النقد…
ويبدو أنّ أردوغان، بأداته الاستثمارية الجديدة بالليرة التركية، قد وضع حداً لهذا الذعر، على الأقلّ حتى الآن، وتقدِّم الأداة الجديدة، التي يُطلق عليها البعض اسم «الدولار التركي» على وسائل التواصل الاجتماعي، حلّاً لهذه المشكلة؛ إذا حوَّل المستثمرون عملاتهم الأجنبية إلى الليرة وأودعوها في حساب توفير مع أجل استحقاق معيّن، فإنّ خزانة تركيا تضمن أنّ هذا المستثمر سوف يحصل على العائد نفسه الذي سيحصل عليه من أسواق الصرف الأجنبي، وإذا انخفضت أسواق الصرف الأجنبي إلى ما دون أسعار الفائدة الرسمية، فسيظلّ المستثمر يحصل على عائد سعر الفائدة الرسمي.
قال وزير المالية التركي نور الدين النبطي في بيانٍ مكتوبٍ إنّ الأداة الجديدة سيكون لها خيارات أجل استحقاق تبلغ ثلاثة وستة وتسعة و12 شهراً، ويُعاقَب المستثمرون الذين يسحبون أموالهم من حسابات التوفير قبل انتهاء المدة المحددة بالحصول على مدّخراتهم المقوَّمة فحسب، بمعدل تداول منخفض للعملات الأجنبية.
لقد أزالت الأداة بالأساس حاجة المستثمرين الأتراك إلى الاحتفاظ بأموالهم في ودائع العملات الأجنبية وأثارت دافعاً كبيراً لشراء الليرة، ووفقاً لاتحاد البنوك التركية، بِيع أكثر من مليار دولار بالفعل من خلال البنوك؛ بينما كان أردوغان يلقي خطابه، على الرغم من أنّ الأسواق كانت مغلقة.
غير أنّ خبراء الاقتصاد انتقدوا هذه الخطوة على نطاق واسع؛ لأنها ستزيد الدين العام، إذ ستدفع الخزينة أيّ فرق بين سعر الصرف الأجنبي والليرة.
ينقل التقرير عن تيم آش، كبير المحللين الإستراتيجيين في شركة «بلوباي أسيت ماندجمينت» لإدارة الأصول ومقرها لندن، قوله: «كلّ هذا لن يكون من شأنه إلا زيادة الدولرة في الواقع، لأنّ قاعدة الودائع إما أنها بالعملات الأجنبية أو مرتبطة الآن بالعملات الأجنبية»، وأضاف: «وستسدّد الخزانة العامة الفاتورة، ويمكن القول إنّ الدولرة تحوّلت الآن من القطاع الخاص إلى القطاع العام».
وكتب وولف بيكولي، الرئيس المشارك في شركة تينيو وخبير تقييم المخاطر والمعروف باطلاعه الواسع على الشؤون التركية: «مشروع الدولار التركي لأردوغان يعني تحويل مخاطر العملة إلى القطاع العام، ما يعني أنه يمكن أن ينفجر في أيّ وقت»، ومن ناحية أخرى، جادل عديد من الاقتصاديين الأتراك بأنّ الأداة الجديدة هي رفع مستتر لأسعار الفائدة، لأنّ الخزانة ستدفع في الواقع الفرق مع التضخم أيضاً.
وكتب رفعت جوركايناك، أستاذ الاقتصاد الشهير، على «تويتر»: «لقد رفعوا أسعار الفائدة على نحوٍ كبيرٍ للغاية دون وصفه بأنه ارتفاع في أسعار الفائدة»، وينقل التقرير عن محفي إجيلمز، وهو اقتصادي تركي شهير، قوله: «إذا ارتفع سعر الصرف الأجنبي بنسبة 40% وارتفع سعر الفائدة بنسبة 14%، فإنّ (الخزانة) ستدفع 26% وهو الفارق بينهما، وهذا لا يسمى سعر فائدة، إنه أمر لا يصدق>.
وهناك أيضاً مخاوف من أنّ الأداة الجديدة ستدفع التضخم إلى مستويات أعلى، لأنها تتطلب ضخ مزيد من الليرة في الأسواق.
هل هو مخطط قديم؟
لقد ذكَّرت الأداة نفسها الخبراء بشيء حاولت تركيا القيام به في سبعينيات القرن الماضي لجذب تدفقات العملات الأجنبية، وخاصةً من المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج، وضمنت «ودائع الليرة التركية القابلة للتحويل (CTLDs)»، كما كانت تُعرف في ذلك الوقت، مدفوعات رأس المال الأصلي والفائدة على هذه الودائع ضد جميع المخاطر الناشئة عن تخفيض قيمة العملة.
وأدَّى المخطط في النهاية إلى انفجار ائتماني ضخم من جانب البنوك المحلية وأطلق موجة جديدة من التضخم، كما كان له عبء ثقيل على الخزانة، التي أنهت المخطط في نهاية المطاف في عام 1978 وتحملت ديوناً بقيمة 2.5 مليار دولار، وينقل التقرير في هذا الصدد ما كتبه الصحافي التركي البارز، باريس سويدان، في عمود يوم الثلاثاء الفائت، أنّ المسؤولين في البداية أعادوا الفكرة عام 2018، لكنهم تخلوا عنها بسرعة بسبب التداعيات المحتملة والعميقة على الخزانة.
كذلك عارض لطفي إلفان، وزير المالية التركي المستقيل مؤخراً، أيضاً الفكرة هذا العام بعد بدء انهيار الليرة، وفقاً لمصادر سويدان، وكتب سويدان: «قال (الوزير المستقيل) إنّ مالية الحكومة التركية ستتلقى ضربة قوية إذا خرج هذا المخطط عن السيطرة خلال أزمة الصرف الأجنبي، وستتعمّق الأزمة لأنها ستزيد من أقساط تأمين مخاطر البلاد».
وبحسب ما ورد، فقد أضاف إلفان أنّ المخطط قد يعني أيضاً تحويل الثروة إلى شرائح المجتمع ذات الدخل المرتفع، لأنهم أكثر قدرة على الاستثمار والحصول على عوائد أفضل من البقية، ويضيف التقرير أنه على أيّ حال، فقد أثار التأثير الحالي للمخطط على سعر الصرف الأجنبي موجة من الاحتفاء بين الدوائر الحكومية، ونقل عن مدير الاتصالات لدى أردوغان، فخر الدين ألتون، قوله إن التطورات تظهر أن الرئيس قد وفَّى مرةً أخرى بوعده والتزم به.
وشارك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر جليك، سلسلة من الصور على «تويتر» يبدو فيها أردوغان وهو يرفع العلم التركي من الأرض، قائلاً: «تركيا تفوز»، وقالت صحيفة «الصباح» المؤيدة للحكومة في العنوان الرئيس على موقعها على الإنترنت: أردوغان أعلن كسر ظهر الدولرة.
ونشرت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة مقابلة مع مواطن باع مدّخراته التي كانت بالدولار الأميركي خلال زيارة إلى أحد مكاتب الصرف الأجنبي يوم الثلاثاء، موضحاً: «أنا سعيد لانخفاض الدولار الأميركي، على الرغم من أنني خسرت».