التيار للحزب: «تعا ولا تجي»!
} حسن الدّر
كان متوقّعاً كلّ ما سمعناه وما سنسمعه لاحقاً من استهداف مباشر لحزب الله من قبل قيادات التيار الوطني الحر، ليس لأحقيّة ما يدّعيه بل بسبب النّمط السياسي الذي يتبعه منذ عام ٢٠٠٥ إلى اليوم.
مشاكل التيار في مقارباته السياسية كثيرة، كلّها ناتجة عن غياب المشروع والرؤية والاتكال على شعارات «غبّ الطلب» حسب مقتضيات المرحلة، ولعلّ المشكلة الأكبر لدى التيار تكمن في طريقة مقاربته لورقة التفاهم مع حزب الله وكيفية توظيفها في صراعاته السياسية.
التيار يريد الحزب له وحده، ويريده معه في كلّ شاردة وواردة دون الأخذ بظروف الحزب وتحالفاته وخصوصية وضعه الداخلي في ظلّ دوره الاقليمي.
نسي التيار او يتناسى كلّ ما قدّمه له الحزب على مدى ١٥ عاماً، حيث كان ظهيراً سياسياً ورافعة انتخابية في الاستحقاقات النيابية ومسانداً رئيسياً لمطالبه في تشكيل الحكومات، وفي التشكيلات والتعيينات القضائية والإدارية، وكان الحزب الناخب الأول للعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية خلافاً لرغبة حليفه الأوّل حركة أمل.
ويتناسى الوزير جبران باسيل غضّ نظر الحزب عن كلّ التصريحات والمواقف الفوقية والعنصرية التي يطلقها قياديون في تياره اتجاه الحزب وبيئته واتجاه حلفاء الحزب الداخليين والإقليميين، ويتناسى أيضاً تسامح الحزب معه شخصياً عندما تخطى الخط الأحمر العريض واعترف بـ «حق إسرائيل» في الوجود والأمن» يوم كان وزيراً للخارجية وممثلاً رسمياً للسياسة اللبنانية.
ويتناسى التيار الوطني الحر تفهّم حزب الله لازدواجية معاييره حين يرفع شعارات وطنية ويمارس سياسات طائفية حتى تحوّل إلى تيار مسيحي يميني يتبنّى خطاب بشير الجميّل وسمير جعجع ويزايد عليهما أحياناً، بحجة إرضاء شارعه وشدّ العصب الطائفي في مواجهة القوات، علماً أنّ سمير جعجع نفسه يوارب ولا يجاهر بعنصريته.
ويتناسى مناصرو التيار وجيشه الالكتروني تغاضي الحزب عن حقوق مأموري الأحراش والناجحين في مجلس الخدمة المدنية وتمنّع رئيس الجمهورية عن توقيع مراسيم توظيفهم وهو حق مكتسب لهم، وحجة باسيل بشأن «اختلال التوازن الطائفي»، علماً بأنّ اتفاق الطائف (ولاحقاً الدستور) قضى بالمناصفة في وظائف الفئة الأولى فقط، ولكن كرمى لعيون باسيل لم يخض الحزب معركة الناجحين.
محطات كثيرة كان التيار فيها شريكاً مضارباً للحزب، يأخذ ولا يعطي، وفوق ذلك كلّه، يمنّن الحزب وجمهوره وبيئته بتأمين الغطاء «المسيحي» للمقاومة!
لكن مهلاً…
مقاومة العدوّ واجب وطني وحمايتها واجب أخلاقي، وفرض عين على كلّ لبناني سيادي شريف ولا دخل للمقاومة في بازارت السياسة وزواريب الصفقات والمقايضات، ورغم ذلك سكت الحزب عن كلام مقيت لنواب ووزراء وقياديين تمادوا في لغة التمنين حتى وصل الأمر بأحد نواب التيار الجنوبيين إلى تربيح النازحين الجنوبيين جميل تأمين أكياس الطحين لهم إبان عدوان تموز!
بالعودة إلى «لا قرار» المجلس الدستوري، فالتيار هو من لجأ إليه، وقياديوه هم الذين امتدحوه قبل صدور قراره، واعتبروه منصفاً، وبلحظة، وعلى هواء القناة التابعة للتيار انقلب موقف النائب سليم عون من اعتبار المجلس الدستوري حكماً إلى وصفه بـ «مجلس ملّة»! فقط لأنّ القرار لم يعجب التيار.
هنا بيت القصيد، وهنا تكمن علّة سياسة التيار التي أفقدته ثقة جمهوره وحلفائه به، سياسة عنوانها: «من ليس معنا فهو علينا».
بهذه العقلية وهذه الروحية قاد العهد البلد.
وأسوأ ما حصل بعد مؤتمر باسيل الصحافي أول من أمس هو التعليقات الساخرة من اللعبة المكشوفة التي اعتاد ممارستها قبل كلّ استحقاق انتخابي، فالكلّ يعلم بأنّ باسيل بحاجة إلى الحزب أكثر من أيّ وقت مضى، وكتلة التيار بدون الحزب أقلّ منها معه، وسياسة «تعا ولا تجي» لم تعد مجدية.
أمّا عن المترتّبات السياسية الّتي لمّح إليها باسيل، فنسأله أن يرتّب مشروعاً سياسيّاً واضحاً، وأن يضع له معايير محدّدة لكي يبني حليفه وخصومه على الشيء مقتضاه…