ماذا يعني تثبيت نتائج الانتخابات العراقية؟
ناصر قنديل
– تأتي أهمية قراءة المسار السياسي العراقي من عوامل عديدة، أبرزها بالنسبة إلى لبنان ينبع من التناظر والتماثل في العديد من الاستحقاقات السياسية، فكما جرت الانتخابات العراقية على إيقاع مشهد إنتفاضة تشرين 2019 ستجري مثيلتها اللبنانية، وكما كان مطلوباً في العراق نقل الغالبية النيابية في من ضفة إلى أخرى، يجري الحديث عن الهدف عينه في لبنان، ومثلما يتقابل في العراق محوران دوليان اقليميان واحد تقوده واشنطن والآخر تقوده إيران، يتقابلان في لبنان، ومثلما تلعب الحسابات والتوازنات الطائفية والمذهبية دوراً في رسم المشهد السياسي العراقي هي كذلك في لبنان، لذلك يفيد في استقراء المشهد اللبناني المقبل، السعي إلى محاولة قراءة أبعاد المشهد العراقي ومعادلاته.
– قد يكون القرار القضائي بالتصديق على نتائج الانتخابات تقنياً بحساباته، مع صعوبة تصديق ذلك، وقد يكون تحت تأثير لون سياسي واحد، مع صعوبة تخيل ذلك، إلا أن إعلان القوى المعترضة على النتائج، وهي قوى المقاومة، عن مجرد الأسف والتسليم بحكم المحكمة، فهو قرار سياسي لقوى يفترض أنها تنظر للمعركة حول الأحجام النيابية بعين الريبة، كما قالت بياناتها الاعتراضية سابقاً، لكن ما جرى قبل قرار المحكمة، من تحالفات وتفاهمات وفرز سياسي نيابي جعل من الاستحالة تشكيل حكومة غالبية كان التيار الصدري قد صرح أنها هدفه المباشر، ربما يتيح فهم خلفيات موقف اللقاء التنسيقي الذي يضم قوى المقاومة التي تملك بين إئتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وعدد من المجموعات الأخرى قرابة ستين نائباً، مقابل 73 نائباً للتيار الصدري، يتنافسان على قيادة البيت الشيعي، حيث تجمعت كتلتا العزم والتقدم بعدد مواز بنواب التيار الصدري أي 73 نائباً يمثلون غالبية نواب البيت السني ، لصالح عدم الدخول في تفاهمات مع أي من الطرفين الشيعيين المتنافسين، وهو ما يعبر عنه أيضاً نواب الأكراد بأجنحتهم المختلفة، بينما يدفع نواب الشيعة من خارج التحالفين الكبيرين بإتجاه التوافق سواء داخل البيت الشيعي أو بين سائر الكتل النيابية.
– الذهاب إلى حكومة توافقية صار أمراً تفرضه استحالة القدرة على جمع 165 نائباً يمثلون أغلبية البرلمان العراقي، يخولون التيار الصدري تشكيل الحكومة، ما يعني العودة إلى البحث عن تفاهمات تتيح تسمية رئيس جمهورية من الأكراد ورئيس مجلس نواب من السنة ورئيس حكومة من الشيعة، يحظون بشبه إجماع، وتشكيل حكومة تراعي في توزيع الحقائب والأحجام نسب توزع المقاعد البرلمانية، ووفقاً لبعض المعلومات المتداولة فإن هذه التسوية هي ما سعى إليه قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قآني في زيارته التي أعقبت الانتخابات إلى بغداد، وقد يكون رئيس الحكومة العراقية الحالي مصطفى الكاظمي مرشحاً لولاية جديدة كاملة بموجب هذا التوافق، بعد نجاحه بالدور الذي يقوم به مع حكومته في تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن، والتوسط التفاوضي بين الرياض وطهران، في لحظة سياسية تريد منها طهران طمأنة الجميع بأنها تسعى للحفاظ على الإستقرار، ولا تبحث عن مكاسب فئوية تعلي شأن حلفائها في ساحات الإشتباك في زمن التسويات، بحيث يكتفي الحلفاء بحق الفيتو كضمانة للدور، وليس الغالبية التي إذا اجتمعت مع السلاح صارت بنظر خصومهم أداة للهيمنة وفرض الإرادات، بعد تبلور محور المقاومة كقوة اقليمية عظمى لا تنقصها الضمانات بخلاف خصومه ومنافسيه في كل من الساحات.
– ما يمكن استخلاصه لبنانياً هو أولاً أن الانتخابات ستجري، بصفتها آلية لإعادة إنتاج شرعية صناعة التسويات، وليس بصفتها ساحة مواجهة لحسم الهويات عبر الأغلبية. وثانياً أن ما يسمى بقوى الثورة لن يبرز كطرف وازن في النتائج كما قالت نتائج الانتخابات العراقية، وأن القوى التقليدية ستبقى عنوان التنافس، وأن إعادة توزيع الأحجام بين هذه القوى لن ينقل لبنان من ضفة إلى ضفة، كما لم ينقل العراق، وأن كل هذا التبدل في التمثيل لا قيمة سياسية فعليه له، حيث لا أغلبية، وحيث التوافق قدر الجميع، وحيث حق الفيتو محفوظ للقوى الكبرى بمعزل عن تبدل احجامها، وثلاثية لا أغلبية وحتمية التوافق وبقاء حق الفيتو، تختصر المشهد في لبنان كما في العراق.