مانشيت

مفاوضات فيينا وجنيف تخيمان على العام الجديد: التسويات تتفوق على المواجهات / اتصال بايدن وبوتين يضع جدول أعمال المفاوضات ويرسم عناوين الاتفاق النووي/ لبنان يدخل 2022 بانسداد سياسي وقضائي وانهيار اقتصادي… والخطر صحي /

كتب المحرر السياسي

جائحة كورونا التي خيمت على الانتقال بين عامي 2020 و2021 على مستوى العالم، تخيم مرة أخرى على انتقال آخر من عام 2021 إلى عام 2022، لكن بدلاً من مشاكل انتقال الرئاسة الأميركية بين ولايتين ورئيسين، حكمت ما بين العامين 2020 و2021، تسيطر المفاوضات السياسية الدولية والإقليمية على الأيام الفاصلة بين عامي 2021 و2022.

مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني تتقدم وسط عقبات جديدة تمنع الجزم ببلوغ النتائج الإيجابية، التي يجعلها شبه حتمية غياب البدائل، حيث لا أبواب الحروب لها مفاتيحها، ولا العودة للعقوبات تشكل أقفالاً محكمة، فيما القلق الأميركي والأوروبي من بلوغ إيران اللحظة النووية الحرجة يزداد، ولا جواب عليه إلا بالعودة للاتفاق الذي وقع عام 2015، ولو كان الثمن إلغاء العقوبات عن إيران، مع معرفة مسبقة بأن برنامجها الصاروخي سيتقدم، وأن دعمها لقوى المقاومة سيزداد.

مثل الملف النووي الإيراني تبدو المواجهة الروسية- الأميركية ومن خلالها المواجهة الروسية- الأوروبية، أمام طريق مسدود، حيث الحروب ليست بديلاً مطروحاً على الطاولة، ومثلما في المنطقة تبدو إيران صاحبة اليد العليا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتراجع الإسرائيلي الاستراتيجي الذي لا تلغيه الغارات الهادفة لاستدراج تصعيد تشترك فيه أميركا ويمنعها من التفكير بالانسحاب، كذلك تبدو موسكو صاحبة اليد العليا في أي انفجار عسكري في أوكرانيا، بينما بدأت سخونة خطوط الاتصال تطغى على سخونة الجبهات بحثاً عن تسويات.

الاتصال الذي أجراه الرئيسان الأميركي والروسي جو بايدن وفلاديمير بوتين منتصف ليل أمس، كان الإشارة الأبرز لمحاولة تغليب الدبلوماسية كخيار وحيد لمواجهة الأزمات، والخروج من الانسداد الذي جعل اندلاع الحروب والمواجهات خطراً ماثلاً، وهذا الاتصال كما قالت مصادر تابعت العلاقات الروسية- الأميركية داخل فيينا ومفاوضات الملف النووي الإيراني، وملف العلاقات الروسية- الأميركية حول أوكرانيا، وضع رؤوس الجسور لمعالم الوساطة الروسية لحل الخلاف حول مستقبل مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران، ومستقبل أجهزة الطرد الحديثة التي قامت بتركيبها، كمخرج من إحدى أبرز تعقيدات مفاوضات فيينا، وسيتواصل بين المسؤولين الروس والأميركيين البحث لتطوير هذه النقاط، كما وضعت عناوين جدول أعمال الاجتماعات التي ستشهدها جنيف بين وفدين روسي وأميركي في العاشر من الشهر المقبل، ويليها اجتماعان روسي- أطلسي وروسي- أميركي- أوروبي، لإعادة ضخ الدماء في شرايين الحوار كبديل للمواجهة.

لبنان يدخل العام الجديد تحت تأثير انسداد سياسي وقضائي، وفي ظل انهيار اقتصادي ومالي، لكن بين العامين يسكنه الخوف، بل الرعب، من التفشي الكارثي لجائحة كورونا، وقد تم تسجيل زيادة تقارب 200% للإصابات في يومين فقط، ويخشى أن يتضاعف الرقم مع سهرة الليلة لاستقبال السنة الجديدة، وسط تحذيرات الجهات الصحية من بلوغ نقطة فشل النظام الصحي، والعجز عن استقبال المصابين، ودعوات لمزيد من الجدية والمسؤولية في تطبيق الإجراءات الوقائية.

يودع اللبنانيون والعالم اليوم العام الحالي المُثقل بالأحداث والأزمات المختلفة ليستقبل السنة الجديدة بتوقعات متضاربة بين تفاؤل حذر بخروج البلد من محنته السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية التي تعصف به منذ عامين، على اعتبار أن لا شيء سيتغيّر في ظل بقاء الطبقة السياسية نفسها في مراكز الحكم والسلطة واستمرار العوامل والاعتبارات الخارجية المؤثرة في الساحة الداخلية على حالها، وبين تشاؤم مشوب ببعض التفاؤل المستند الى تقدم في المفاوضات والحوارات على الساحتين الاقليمية والدولية وعلى رأسها المفاوضات حول الملف النووي الايراني علها تنعكس بشكل ايجابي على الوضع اللبناني.

وبين التفاؤل والتشاؤم يُحيي اللبنانيون ليلة رأس السنة في ما تبقى من أجواء فرح وغبطة رغم الظروف الصعبة التي يعانون منها، أضيف اليها ارتفاع مخاطر الموجة الجديدة من وباء كورونا الذي يسجل كل يوم مزيداً من الاصابات مع دخول عشرات آلاف الوافدين الى لبنان عبر مطار بيروت، وسط تشكيك بمدى قدرة الأجهزة الامنية على تطبيق الاجراءات الوقائية التي فرضتها وزارة الداخلية ولجنة «كورونا»، ما سيرفع بحسب ما قالت مصادر صحية عبر «البناء» نسبة الاصابات بشكل كبير ستظهر بعد عطلة العيد نظراً للعدد الكبير من الحجوزات في المطاعم والمقاهي وصالات الحفلات لاحياء ليلة رأس السنة كما حصل العام الماضي عندما ارتفع عدد الاصابات بشكل كبير، ما يفرض على الأجهزة الامنية تشديد اجراءاتها للحد من الاختلاط والتفلت الاجتماعي لضبط الاصابات.

لكن مصادر رسمية مطلعة على الملف الصحي والاقتصادي توضح لـ»البناء» الى أن «لا اتفاق على التعامل مع المرحلة المقبلة، بل استقر الرأي في الاجتماعات بين الوزراء واللجنة الصحية على الموازنة بين الخطر الصحي والضرورات الاقتصادية لا سيما أن مرفق المطار هو أحد أهم مصادر انعاش الوضع الاقتصادي عبر دخول كميات كبيرة من الـ «فريش دولار» ولا يمكن اقفاله أمام السياح والمغتربين الذين انتظرهم لبنان طويلاً وقدم تسهيلات لدخولهم، كما لا يمكن اقفال المطاع والفنادق والمراكز التجارية والاسواق التي تستفيد من فترة الاعياد وما بعدها»، لذلك رجحت المصادر عدم اقفال البلد مع التشدد بتطبيق الاجراءات الوقائية، مشيرة الى أن اقفال المدارس أحد عوامل ضبط الاصابات كونها مصدراً اساسياً لنقل الوباء. وأعلن رئيس مطار بيروت الدولي فادي الحسن أن أرقام الوافدين الى لبنان عبر المطار في شهر كانون الاول شهدت ارتفاعا ملحوظا بلغ حوالي 222 الف مسافر. وأوضح الحسن أن “الأرقام التي تسجل اليوم قريبة جدا من مرحلة ما قبل الازمة في العام 2019”، مؤكداً أن “لا ارقام باصابات مرتفعة بكورونا بعدد الركاب الوافدين الى لبنان، ولا جو يوحي باقفال المطار بعد العيد”.

وأعلنت وزارة الصحة العامّة عن “تسجيل 4537 إصابة جديدة بكورونا (4333 محلية و204 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 723640”.

ولفتت الوزارة في تقريرها، إلى تسجيل “15 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 9102”.

أما على صعيد الجائحة السياسية، فالوضع على حاله باستثناء بعض المشاورات والنقاشات التي تدور بين بعض المراجع السياسية والرئاسية بشكل غير مباشر لتحضير الأرضية السياسية لاعادة احياء التسوية السياسية القضائية، لاعادة مجلس الوزراء الى الخدمة، كي لا ينتقل من حالة حكومة تصريف أعمال مبكر وغير معلن الى تصريف اعمال فعلي اذا ما دفع تمسك الاطراف السياسية بمواقفها الى استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو اعتكافه رغم استبعاد مصادره لجوئه الى هذا الخيار، لكنه في الوقت نفسه مستمر على موقفه بعدم الدعوة الى جلسة من دون تفاهم مسبق عليها مع ثنائي أمل وحزب الله وتيار المردة لئلا تتصدع الحكومة وينفرط عقدها وهذا ما لا تريده القوى الغربية. في مقابل اصرار فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر على موقفهم من قضية تحقيقات المرفأ ورفض تنحية المحقق العدلي القاضي طارق بيطار في مجلس الوزراء، ولا تأمين نصاب جلسة لمجلس النواب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية واحالة المدعى عليهم من الوزراء والرئيس حسان دياب الى المجلس الاعلى لمحاكمتهم، مقابل اصرار الثنائي على هذا الخيار للعودة الى مجلس الوزراء ما يمنع اخراج الازمة من عنق الزجاجة في ظل معلومات تؤكد بأن بيطار سيمضي مع أول يوم عمل في الدوائر الرسمية وانتهاء العقد العادي لمجلس النواب، بتحقيقاته حتى النهاية وبالتالي سنشهد جولة جديدة من التأزم على هذا الصعيد لا سيما مع توجه بيطار الى تحريك مذكرة توقيف الوزير السابق النائب علي حسن خليل باتجاه التنفيذ.

وفي موازاة ذلك، توقعت مصادر “البناء” أن تعود مواقف رئيس الجمهورية ودعوته الى حوار وطني عاجل على ملفات ثلاث أساسية الى واجهة المشهد وتبلور مواقف الاطراف حيالها، وتؤكد مصادر الثنائي الوطني أمل وحزب الله لـ”البناء” استعدادها للحوار في اي ملف طرحه عون يساهم في حماية البلد واعادة بناء الدولة والنهوض الاقتصادي واستعادة أموال المودعين وتحقيق الاستقرار الامني والسياسي وإحقاق العدالة الحقيقية لا المحرّفة والمسيسة والمزورة.

وبعدما كثُرت التساؤلات والشكوك حول طرح عون حول “اللامركزية” وتأويلها بعدة صيغ وأبعاد، أوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان بأن “الرئيس عون يذكّر الغيارى على وحدة لبنان والمدّعين رفض تقسيمه بأنه هو الذي أطلق شعاره الشهير “لبنان أكبر من ان يُبلع وأصغر من أن يُقسّم”. وأكد أن “اللامركزية المالية واللامركزية الادارية صنوان من ضمن ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني المنبثقة عن مؤتمر الطائف وفي مقدمة الدستور عن الانماء المتوازن للمناطق. وختم: إن الخدمات العامة المحلية لا تعني خروجاً عن منظومة الدولة المركزية في المالية العامة والامن والسياسة الخارجية”.

 في غضون ذلك وفي قرار مفاجئ سيعكر صفو الهدوء الذي فرضته عطلة الأعياد ويقدم دليلاً اضافياً على اهتراء وتخبط وحجم التسييس الذي ينخر في الجسد القضائي، أطلقت المحكمة العسكرية سراح رئيس بلدية عرسال السابق ​علي الحجيري​ الملقب بـ»أبو عجينة» بعدما قضى محكوميتهّ. وتساءلت مصادر مطلعة عبر «البناء» عن الهدف الكامن خلف اطلاق سراح الحجيري الذي أدين بالتعامل مع التنظيمات الارهابية والمشاركة بخطف وقتل جنود الجيش اللبناني، غير عابئين بتداعيات هذا القرار على المستوى الامني واستحضار التوتر المذهبي الذي عاشته منطقة البقاع خلال فترة وجود التنظيمات الارهابية في البقاع وعلى الحدود مع سورية، رابطة الخطوة بضرورات الانتخابات النيابية التي تؤمن مصالح بعض القوى السياسية، متوقعة المزيد من اطلاق سراح المحكومين المتورطين مع الارهاب تحت عنوان وذريعة «تسوية» ملف «الموقوفين الاسلاميين».

وعلق والد الشهيد في ​الجيش اللبناني​ ​محمد حمية​، ​معروف حمية​، على إطلاق سراح الحجيري بالقول إنه «ليس مفاجئاً إطلاق سراح المحرّض على قتل ابنائنا والمنفذ الأول لقتل عناصر في الجيش اللبناني». وحذر من عواقب هذه الخطوة بالقول: «نرحب بهذه الخطوة كي يكتمل القصاص من عدل بنادقنا وقضاء مظلوميتنا، ووعدي لولدي الشهيد محمد أن دمك لن يذهب هدراً».

وعلى صعيد قضائي آخر، علق مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، على ما نشرته المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، حول أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ملاحق في لبنان والخارج، وإذا أرادت محكمة التمييز أن تجد له فتوى فذلك موضوع آخر، موضحاً أن «القاضية عون تبدي رأيها في الموضوع وقرار محكمة التمييز صدر منذ مدة»، مؤكداً أنه «لا يوجد خطأ في القرار، وهو يتضمن ملاحقة رياض سلامة دون الحاجة إلى اذن ملاحقة منه، لكن في القضايا التي تتعلق بإفلاس مصرف، يُحتّم قانون النقد والتسليف أن يعطي سلامة اذن ملاحقة».

وتتجه الانظار الى شكل التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة التي تثبت موعد حصولها في 15 أيار المقبل بعدما وقع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

وأكد وزير الداخلية بسام مولوي بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي أن “لا شيء يمكن أن يمنع إجراء الانتخابات، ونحن جدّيون في هذا الاطار وعملنا منذ البداية وفي البيان الوزاري، وعلى الرغم من كل حملات التشكيك، استطعنا استلام قوائم الناخبين وإصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وقريباً ستُفتح مهلة الترشيح. أما التمويل لهذه الانتخابات فهو يًقسم الى شقّين، شقّ لوجستي محض لا علاقة له بالسيادة اللبنانية تمّ تأمين جزء كبير منه من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن الجهات المانحة”.

وبدأت القوى المواجهة لحزب الله باستجماع قواها بدعم خارجي أميركي – غربي – خليجي للفوز بالانتخابات النيابية وخلق أكثرية جديدة لمواجهة للحزب وبالتالي استمرار الضغط عليه وعلى لبنان لفرض الإملاءات الخارجية. وتوقعت مصادر ديبلوماسية لـ”البناء” أن تنشط سفارات الدول الغربية والخليجية في فترة ما قبل الانتخابات في محاولة لترتيب تحالفات بين قوى ما يسمى 14 آذار والمجتمع المدني في لوائح انتخابية واحدة لمواجهة لوائح التيار الوطني الحر وحزب الله في مختلف المناطق لا سيما المسيحية.

ووجهت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو رسالة تهنئة الى اللبنانيين، بمناسبة السنة الجديدة، قالت فيها: “سنبقى إلى جانبكم خلال العام 2022. سيكون هذا العام مهما لكم. إذ ستجري فيه انتخابات نيابية ورئاسية وبلدية. سنحرص بشكل خاص على أن يتمكن كل مواطن لبناني من الإدلاء بصوته في إطار عملية ديموقراطية عادلة وحرة وشفافة”.

  وبرز موقف سعودي أمس يعكس استمرار سياسة المملكة التصعيدية تجاه لبنان، وذلك على لسان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي أكد بأن “المملكة تقف الى جانب الشعب اللبناني الشقيق، وتحث جميع القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها، والعمل على تحقيق ما يتطلَّع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء، داعيا الى إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة”. واشار الى “أن إيران دولة جارة في المنطقة” آملاً في “أن تغير سلوكها السلبي” في ظلّ ما وصفه “بالسياسة المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة”.

وعلى خط العلاقة مع الخليج، تابع وزير الداخلية والبلديات مجريات التحقيق بعد ضبط شحنة الليمون التي كانت تحوي على كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون والتي كانت متوجهة الى دولة الكويت. وفي هذا الاطار، تواصل الوزير مولوي مع الجهات الأمنية المختصة في دولة الكويت، مثنيا على أهمية التعاون بين قطاع الأمن الجنائي في وزارة الداخلية الكويتية والأجهزة الأمنية اللبنانية والذي أثمر الإنجاز الأمني بالأمس عبر إحباط عملية التهريب. وأكد جدية وزارة الداخلية اللبنانية لمنع تصدير الشر الى كلّ الدول العربية لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي.

الى ذلك، كشف نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، بعد لقائه رئيس الجمهورية أنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستتعمّق أكثر خلال زيارة ستقوم بها بعثة موسعة من الصندوق لبيروت خلال شهر كانون الثاني المقبل. وقال: “نحن نحضّر مختلف الملفات لتكون جاهزة لهذه المفاوضات على أمل أن نصل الى اتفاق بأسرع وقت ممكن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى