أولى

الشهيد قاسم سليماني في سجل الأساطير

 محمد جلال فيروزنيا*

لا شك أنّ الكتابة عن القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني هي مهمة صعبة وشائكة. إذ أن كل ما يمكن أن يخطه القلم حول سيرته، بمختلف زواياها وأبعادها، من الناحية الشخصية الذاتية، مروراً بالجوانب الثورية والعسكرية، وصولا الى جهاده العظيم وتجربته الفذة في كل المناصب التي تقلدها والمسؤوليات التي تولاها على إمتداد العقود الأربعة الماضية، يبقى عاجزا عن إيفائه حقة، لأنه بكل بساطة أسمى من كل هذه الكلمات.

الحاج قاسم هو إحدى مفاخر الثورة الاسلامية المباركة التي نعتز بها، وهو أسطورة وطنية سطرت ملاحمها خلال السنوات الأربعين المنصرمة… إلا أن التسمية الأحب الى قلبه كانت هي أنه «جندي» الإسلام والولاية… حيث أوصى أن يوارى الثرى عند إستشهاده بهذا العنوان الشريف وهذا الوسام الخالد، ليغدو منارة تهتدي بها الأجيال القادمة.

كاتب هذه الأسطر كانت له علاقة عمل وثيقة جمعته بالحاج قاسم رحمه الله عن قرب لمدة خمس سنوات. خلال هذه الفترة كان اعجابي به يزداد يوما بعد يوم، عند التعرف أكثر فأكثر على مناقبه الاخلاقية وصفاته الشخصية… وعند الوقوف عن كثب على مدى تملكه لنواصي الأمور السياسية والمهنية… وللحاج قاسم ألف حكاية وحكاية في العشق الذي كان يغزو قلب كل من عاشره… فسحرته مكارم أخلاقه وأسرته اسرار شخصيته وهيبته.

لواء الإسلام المقدام هذا، ونظرا لمواهبه العديدة، بات خلال فترة زمنية قياسية أحد القادة الميدانيين الكبار والمؤثرين، خلال الحرب المفروضة التي شنها النظام العراقي السابق على الجمهورية الاسلامية الايرانية. ومن هذا المنطلق، تبلورت المسؤوليات الجسام التي أنيطت به لاحقا في مجال إستتباب الأمن والأمان في ربوع البلاد، وتوّجت لاحقا في ترؤسه لفيلق القدس في قوات حرس الثورة الإسلامية.

معرفتي وتواصلي مع قوة القدس تعود الى بدايات الثورة. لذا ينبغي القول أنه لا يمكن مقارنة هذه القوة قبل أن تؤول قيادتها الى الحاج قاسم، بالفيلق الذي تولى زمام أموره هذا الفارس الهمام. وعلى غرار ذلك، لا يمكن مقارنة محور المقاومة في ظل الحاج قاسم، بالجبهة عينها في المرحلة التي سبقت ذلك. في يومنا هذا، وصلت قوى المقاومة في لبنان، فلسطين، العراق واليمن، تنظيميا وعسكريا، الى درجة من الإقتدار جعلت امريكا والكيان الصهيوني واتباعهما في حالة عجز وإرباك. كما أن جبهة المقاومة قد تحولت الى واقع ملموس، يلعب دورا جوهريا في بلورة موازين قوى جديدة على إمتداد منطقة الشرق الأوسط. كل هذه التطورات التي جرت والإنجازات التي تحققت لدى محور المقاومة، هي الى حد بعيد رهن القيادة الفريدة المجيدة للحاج قاسم سليماني رحمه الله.

كما أن الحاج قاسم كان في الوقت عينه بطل ملحمة مواجهة الإرهاب وترسيخ الأمن في المنطقة. أمريكا التي إدّعت زورا وبهتانا أنها شكلت إئتلافا دوليا لمكافحة الإرهاب، ترافقت كل الممارسات التي قامت بها مع زعزعة أكبر وإنتشار اوسع للعنف والتطرف على المستوى الإقليمي. بالمقابل فإن الدور الذي لعبه الحاج قاسم والقوات التي جاهدت تحت لوائه في مقارعة الإرهاب، لا يخفى على شعوب المنطقة والعالم بأسره… حيث أثبت صدق زعمه وخلوص نيته في خوض غمار طريق ذات الشوكة، حيث ختم حياته الشريفة بشهادة مباركة وإفتدى شعبه وأمته بنفسه.

صحيح ان الحاج قاسم سليماني هو كل ما ذكرته، ولكن هناك أبعادا أخرى لشخصيته القيمة لا بد من الإضاءة عليها ايضا. لواؤنا الشهيد هذا كان قائدا إستراتيجيا عسكريا قل نظيره، حيث ينبغي لشخصيته وافكاره ومبادراتها ومزاياه القيادية أن تدرس في المعاهد والجامعات والكليات الحربية في عالمنا اليوم.

لنفهم بعضا من جوانب سريرته، تكفي الإشارة الى أن كبرى مراكز القوة العسكرية في العالم كانت تحسب له الف حساب، حيث كان إسمه يقض مضاجع قوى الإستكبار العالمي… لكنه في محضر الشهداء وعوائلهم الشريفة، وحتى مع الجنود العاملين بإمرته، كان عفويا ومحبا وترابيا بشكل يبعث على الدهشة. فكنت ترى أن هيبته العسكرية وشخصيته القيادية السامية قد إمتزجت بمحبة وعاطفة غامرتين تجاه اسر الشهداء وابنائهم، وتدفقت مع دموع مقلتيه وآهات قلبه الذي كان ينبض مع المحرومين والمستضعفين، فتكاملت بعضها مع بعض لتبدع هذه الكاريزما الأخاذة التي تجلت في كل حركاته وسكناته، فأعطته صبغة اسطورية.

قاسم سليماني هوأحد المستضعفين الذين وعدهم الباري عز وجل في كتابه المجيد ( ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين). كل جبهات القتال هذه ، في ايران والعراق ولبنان وفلسطين واليمن، هي الساحات التي صنعت على إمتداد اربعين سنة هذا النموذج المثالي الذي قدمته الثورة الإسلامية… حيث بات القدوة الأكثر نضارة وجاذبية في تاريخ هذه المنطقة.

بكلمة موجزة لا بد من التذكير بسنن التاريخ التي لا تتغير… فقاسم سليماني بما يمثل من تجل صادق للجهاد في سبيل الله ورمز لكل القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية ، سيبقى نجمه ساطعا في سماء المجد ابد الدهر… وقتلته المجرمون هم في الدرك الأسفل من السقوط الأخلاقي والإنحطاط الذاتي، وسيبقى ذكرهم ملطخا بالخزي والعار الدائمين. لا شك أنّ الشهادة المظلومة لهذا اللواء الشامخ ترسم ملامح عظمته وسمو مكانته وصوابية طريقه وحسن عاقبته…

المجد والخلود لشهيدنا العزيز والى جنان الخلد مع الأولياء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى