مقالات وآراء

كنية تصلح لكثيرين في هذا الزمن…!

} علي بدر الدين

من دون مقدمات أو وجود لمعطيات ومؤشرات توحي بأن أمراً إيجابياً استجدّ يستدعي على عجل تشاور الرؤساء، قصد رئيس الحكومة المعلقة جلساتها، نجيب ميقاتي، قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث تبادلا الحديث حول بعض الملفات الخلافية العالقة، لاستعمالها «غب» الطلب، والمقايضة حالياً، وليست صفقة بالمعنى الأوسع، لأنها مؤجّلة لتكون عنواناً مفصلاً لتسوية شاملة لم يأت أوانها بعد، ولن تقتصر على قوى سياسية وسلطوية من دون غيرها،

وما يجري اليوم وبين وقت وآخر ليس سوى «عمليات» قضم بسيطة خطوة خطوة وبـ «بنج» موضعي.

اتفق الرئيسان ضمناً ثم علناً على أن يوقع رئيس الجمهورية عقد فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، من شأنها توفير الحصانة للنواب المدّعى عليهم من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، مقابل عقد جلسة لمجلس الوزراء ولو لمرة واحدة، تحت عنوان درس وإقرار بعض القرارات والقوانين، ومنها موازنة الدولة العامة التي لا يمكن البحث فيها وإقرارها في ظلّ الأزمات الاقتصادية والمالية وانهيار الليرة والتلاعب بسعر صرف الدولار، وفلتان الأسواق وانعدام ضبط ومعرفة حجم الصادرات والإيرادات، والفوضى والتسيّب في الإدارات الرسمية وغيرها ممن نعرفه ولا نعرفه التي تحتاجه الموازنة.

 «الصفقة» الفعلية، الجديدة والمستمرة تكمن في إمرار التعيينات الإدارية والمالية والقضائية والتشكيلات الديبلوماسية، في حال نجحت المساعي والاتصالات والوساطات في عقد هذه الجلسة، التي ستكون مثمرة جداً لقوى سياسية، خاصة أنّ الانتخابات النيابية تطرق الأبواب، وتحتاج إلى «خدمات» خاصة ورشاوى تكون من «كيس» الدولة وعلى حسابها والشعب، غير أنّ «حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل» ولن يعقد مجلس الوزراء أيّ جلسة له في المدى القريب، ما فوّت فرصة على المتحاصصين والمقايضين، الذين لا يهتمّون إلا بمصالحهم ومكتسباتهم والبحث عما يعيدهم إلى مواقعهم في السلطة وخارجها، في حين انّ الوطن ينهار تدريجياً، والدولة تتفكك والمؤسسات أصبحت فريسة سهلة لسوس الفساد، والأسوأ هو أوضاع الشعب اللبناني المسكين، الذي يتحمّل وحده المزيد من الأثقال والأعباء والضغوط التي اهلكته وأفقرته وجوعته واذلته، من دون أن يحرك ساكناً أو يستطيع الصراخ أو حتى يئنّ من الألم الذي تجذر فيه وتحوّل إلى مرض مزمن ومستعص.

 ما حصل من سجالات وتجاذبات واتهامات وإهانات متبادلة طغت على ما عداها في المشهد السياسي والطائفي، وكأنّ البلد ذاهب إلى ما لا يُحمد عقباه وأنّ التداعيات ستكون وخيمة وخطيرة، وقد تستدرج إليها قوى واطرافاً أخرى لتزيد «الطين بلة»، ولكنها بسحر ساحر و»بحكمة» المسؤولين، خفت ضجيجها، وزال الخوف منها وعادت الأمور الى مسارها السابق ولكن، مع بقاء اليد على الزناد، وجهوزية الملفات والفضائح والارتكابات بانتظار جولة أخرى من حلقات مسلسل فيلم لبناني تحاصصي طويل، وقد أثبت النزاع على الصلاحيات والحصص والنفوذ والسلطة، بما لم يدع مجالاً للشك، أنه لا يفسد في الودّ قضية بين منظومة السلطة، وما حصل مسألة طبيعية وهو لزوم «عدة» الانتخابات، بل انها بمثابة سحابات عابرة في الأجواء السياسية والمصلحية الملبّدة في هذه المرحلة، ولا تعدو كونها مجرد «إشكالات» بسيطة، ومعالجتها وحلولها في متناول اليد، وهي مجرّبة ومعروفة، ولا تستحق كلّ هذه المعارك الوهمية، ولا الخطابات السياسية والطائفية والمذهبية عالية السقف وجعل «الحبة قبة»، والخروج من الأزمة المفتعلة سهل للغاية رغم انها أشعلت وسائل الإعلام المختلفة، وشغلت اللبنانيين، الذين رغم كلّ الفقر والجوع والمرض والذلّ المسكون في بيوتهم ودواخلهم، استمتعوا وربما حتى الشماتة ولو موقتاً، وقد اعتادوا على مثل هذه المسرحيات وحفظوها «عن ظهر قلب» وباتت جزءاً من يومياتهم المملة، وأكثر من ذلك فإنهم يعرفون خواتيمها «السعيدة» للذين أشعلوا فتيلها عن سابق إصرار وتصميم، كما عواقبها الوخيمة عليهم وعلى الوطن والدولة والمؤسسات، وحلها بسيط جداً ومجرّب وينتمي الى فصيلة المحاصصة والمقايضة «وتبويس اللحى» وإنْ كان عن بعد للوقاية من كورونا ومتحوّراتها، او عبر وكلاء وممثلين بارعين في تدوير الزوايا، وترجمة نموذج «شيلني وأشيلك»، وهذه لي وتلك لك، وخذ هذا وأعطني ذاك، و»يا دار ما دخلك شرّ».

هكذا تتوالى الأحداث والمشكلات المصطنعة والمفتعلة، التي باتت تنبئ سلفاً عن معارك في الخطابات والاتهامات المتبادلة وتحميل للمسؤوليات، واستنهاض للبيئات، وتنتهي على الطريقة المعهودة من المقايضات والتبادلات والتسويات القصيرة أو الطويلة الأمد، وتترك الشعب يتصارع ويتقاتل ويحقد على بعضه البعض، كرمى لمصالحها وتسلطها.

سأل تيمورلنك يوماً أحد الظرفاء، بعد تدميره بغداد، قائلاً له: «كان الخلفاء يتكنّون بكني من نوع مثل «المعتصم بالله» او «المنتصر بالله» و…، فلو أردت ان تكنّيني على الطريقة نفسها، ماذا تختار لي إسماً»؟ فردّ الظريف سائلاً: «هل تعطيني الأمان»؟ فقال تيمورلنك: «عليك الأمان»، فأجابه الظريف «أعطيك كنية أعوذ بالله».

إنها كنية تصلح في هذا الزمان على كلّ متسلط ومستبدّ وفاسد وسارق و…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى