خريف السياسة… موسم لسقوط الأوراق الصفراء!
محمد ح. الحاج
لكلّ زمان خريفه، وللسياسة خريفها، وإذا كان خريف الأشجار يدفع بأوراقها إلى الاصفرار والسقوط، فخريف السياسة أشدّ قسوة ومرارة، ولا يكتفي بسقوط الأوراق بل يأخذ مَن رسم على الأوراق أو حملها وتاجر بها، وهكذا سقطت في خريف سياسة المشرق أوراق كثيرة، وحملة أوراق كثر لم يكن أولهم ولا آخرهم ساركوزي وبلير، والحبل على الجرار.
العام الخامس من العدوان الدولي على الشام يحمل معه رياحاً خريفية سوف تتكفل بإسقاط ما بقي من أوراق حملت شعارات براقة، وآمال كاذبة، شعارات الحرية والثورة السلمية والإنسانية والتي لم يطل بها الوقت فانكشف زيفها وسقطت في حينه، أما الورقة التي استمرّت طويلاً فهي التي حملت آمال إسقاط النظام وفقدانه الشرعية بادّعاء الكثير من الدول ومنها بريطانيا وفرنسا وتركيا والإدارة الأميركية وتوابعها في المنطقة المشرقية، أغلبهم حملوا الورقة وتاجروا بها سقطوا الواحد تلو الآخر، سواء في أوروبا أو بين أتباع اليانكي ومَن يدور في فلكهم، واستمرّوا على الأمل ردحاً طويلاً من دون أن يخلعوا النظارة السوداء التي حجبت الحقائق عن أعينهم وكأنهم يعيشون في عالم آخر.
بدا واضحاً أنّ التطورات على أرض الواقع لم تدفع بأطراف المؤامرة إلى إعادة القراءة واستدراك الخطأ، وكانوا على الأرجح بانتظار القرار الذي يصدر عن المحفل الأعظم ليلتزموا به، إذ لا أحد من هؤلاء له الحق بالقراءة أو الكتابة بل بترديد اللازمة، وكان الإعلام المضلِّل، وأغلب المضَلَّلْ في أعلى درجات الهجوم مستمرئاً الإثارة التي توفرت لها كلّ الشروط بما في ذلك الإبداع إخراجاً وتسويقاً على كلّ المستويات، وهو ما أنجز بيئة قابلة، وبعضها كان الحاضنة لإرهاب تمّ التخطيط له بعيداً عن الأعين المفتوحة والآذان المصغية، وهكذا تمّت شيطنة الإدارة الحاكمة في الشام، بل وشيطنة الجيش وكأنه ليس من هذا الشعب، الشعب الذي وعى بغالبيته أبعاد اللعبة وأعلن رفضه لمجرياتها معلناً وقفة صمود واعتزاز بجيشه وقيادته، رافضاً أن يمثله الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أزلاماً وأتباعاً لجهات خارجية تعمل على هدم الوطن، ومنهم من ارتمى في أحضان العدو الصهيوني رغم إدراكهم أنّ الشعب السوري يرفض التبعية لصديق فكيف يقبل بارتباط من يمثله ويدّعي النطق باسمه بالعدو…؟
يعود الأميركي اليوم معلناً أنّ الشرعية التي قال بنزعها عن رأس الدولة السورية لم تسقط، وأنّ الحلّ لا يكون عسكرياً وهذا متفق عليه عالمياً، ويؤكد بكلام صريح: لا بدّ من الحوار مع الأسد…! لكن هذه الشهادة ليست من يعيد الشرعية إلى الأسد القائد وهو لم يفقدها أساساً، بل إنّ الشعب وفي ردّه على وصاية يحاول الغرب فرضها، هو من حافظ على شرعية النظام والقيادة، وهو من قال كلمة الفصل منذ البداية، ولولا ذلك لما تراجع العمّ سام معلناً أنه أخطأ التقدير بطريقة مواربة، المضحك أن تستمرّ الدول التابعة على موقفها معلنة أن «لا دور للأسد في مستقبل سورية»! وكأنّ لفرنسا وبريطانيا وتركيا حق تقرير مصير شعب عريق لفظهم كما لفظ سياساتهم منذ عقود، أو كأنّ ذاكرة القيادات في هذه البلدان تمّ مسحها ونسوا التاريخ، ولا بدّ للشعب السوري أن يعيد إليهم الذاكرة المفقودة… ورقة صفراء تسقط لاحقة بما سبق.
في قديم الزمان كان يُقال القارة العجوز، والامبراطورية العجوز، وأكثر من استخدم المصطلحين كان العمّ سام في سخرية من المستعمر البريطاني الذي خرج مدحوراً… وما كانت بريطانيا وحدها مقصودة بشعار القارة العجوز، بل معها فرنسا وربما إيطاليا وهولندا وكلّ الدول التي ساهمت في النظام الكولونيالي القديم، فهل من يصدّق اليوم بأنّ بعض الورثة يمكنهم الخروج على وحيد القرن ويعلم الجميع أنهم مجرّد «صوت سيده»، ربما هو توزيع الأدوار، لكن عند رفع الكشتبان… تظهر الحقيقة، ويطأطئ أصحاب الصوت العالي ليلتحقوا بأوراقهم الساقطة.
على ذكر الامبراطوريات، تنطح أحدهم من بيروت ، وهو أيضاً «صوت سيده» معلناً رفضه قيام امبراطورية ايرانية «أو فارسية» كما يقول، مستشهداً بقول مسؤول إيراني بأنّ إيران منعت سقوط أربع عواصم عربية في يد الإرهاب الداعشي الوهابي معتبراً أنها استولت على هذه العواصم…! هل يدافع بذلك عن المهزوم لأنه من أصحاب الحلم الذي لم يكتمل، أم لأنه تربّى على ثقافة لا يستطيع الخروج من عباءتها البالية رغم ما لحق بها من «هريان وشقشقة»؟ أما الناطق في بلاد أسياده فقد قال إنّ «داعش» توفر لإيران الذريعة لاستثمارها في مشروعها وهي غير جادّة في محاربتها…! عجيب، وهل إيران هي مَن أوجدت «داعش» واتخذت منها وسيلة لاجتياح دول المنطقة…؟ وكيف يعمل التحالف على تخريب مناطق «السنة»؟ أتكون «داعش» هي المدافعة عن هذه المناطق؟ أم أنها البادئة في عمليات التخريب والقتل… ذبحاً، وتقطيع أوصال، ويتوفر لها إخراج هوليودي مع سرعة التوزيع والتوصيل وبأفضل التقنيات لدبّ الذعر في أوساط من يعارض، ورفع معنويات من يتلقى الضربات والهزائم في الميدان وشدّ أزرهم ببعض من يقع في فخ التضليل الإعلامي والوهم بدولة خلافة إسلامية وربما هو من بسطاء المسلمين … ورقة صفراء… تسقط قريباً.
قاموس الثقافة السطحية المشرقية يتقبّل قيام امبراطورية أميركية وهي قائمة بأشكال شتى على امتداد الأرض العربية أو امبراطورية بريطانية أو فرنسية، وحتى تركية أو ألبانية دون اعتراض أو ذكر أو احتجاج، لكنهم يفبركون قيام امبراطورية فارسية وهي لم تقم أو يتهمون إيران بالمحاولة رغم أنّ حقيقة ما تقوم به إيران هو الدفاع عن المنطقة في وجه أطماع الغرب وسيطرته، وأنها تعلن موقفاً واضحاً تجاه دول الجوار لا يقوم على مذهبية أو تفرقة، بل وصل بهم الأمر حدّ إعلان التخوّف من قنبلة نووية إيرانية محتملة…! متجاهلين وجود أكثر من مائتي قنبلة نووية بيد العدو الصهيوني الذي لم يكتم عداءه للمحيط وأنه لو تعرّض لخطر سيبادر إلى مسح العواصم العربية والإسلامية من الوجود بجزء مما يملك، ولن يتورّع عن ضرب عواصم دول أخرى قد تفكر في الوقوف إلى جانب السوريين أو العرب… أوليس هذا بكاف لمعرفة أنّ من يعمل على استبدال العدو الحقيقي بعدو آخر هو العدو ذاته عن طريق أتباعه ومناصريه وأغلبهم أصبح مكشوفاً لشعبه وعالمه، ولكلّ ذي عقل وبصيرة، وأن إيقاظ المذهبية شيعية وسنية هي تصميم دولي ماسوني وتنفيذ أياد أغلبها محلية توجهها أصابع لم تعد خفية أبداً… مسكين هذا العقل المشرقي وقد تأبط غفلته ميمّماً شطر الهلاك، معتقداً أنه سيدخل الجنة مجاهداً…! بئس الورقة الصفراء التي لم تسقط حتى اللحظة.
أدرك الغرب بواقعية التحليل والدراسة أنّ الدولة الإيرانية عصية على الخضوع وأنها ماضية في مسارها لتكون شوكة في حلق هذا الغرب، فكان إبداع مراكز أبحاثه ودراساته، الفتوى بإيقاظ الفتنة التي مضى عليها 1400 عام… من قال إنها نائمة…؟
شجرات مجلس الطبول، وإتلاف الدوحة، وتنظيم باريس، كلها اصفرّت أوراقها، بعضها سقط، وبعضها ينتظر، وما بدّلوا، كفيلهم «الأخضر».
ورقة كبيرة بدت واعدة مطلع العام المنصرم، جرى عليها رهان واسع… إرهاب القيصر قد يدفع به إلى المساومة والتراجع…! بعد تجارب عديدة هنا وهناك، بدا أنّ القيصر حازم أمره على المجابهة، وأنه يأخذ الأمور بجدية بالغة… يستعرض ما بين يديه ملوّحاً، كما فعلوا… يبدو أنّ الخوف يتسرّب إلى المراهنين، همسوا لأنفسهم: لنتراجع فاللعبة أكبر من المقدرة، القيصر يخاطب قواته من على ظهر طراد بثقة وحزم… قلنا: هل هي حرب قرم جديدة…؟ ربما يقول القيصر: لتكن حرب قرم أو قرن، لكنه يرفض الخوف ولا يعرف كيف يطأطئ رأسه كما بعض العربان.