حلالٌ في جنيف حرامٌ في بيروت
دأب العرب على تسمية لبنان بسويسرا الشرق وكانوا يتغنّون بملاهيه وواجهات محاله والسياحة فيه والسرية المصرفية التي يخبئون عبرها أموالهم عن بعضهم البعض، لكن لبنان بنظر الكثيرين من صنّاع الرأي العام في العالم العربي كان جنيف العرب بصحافته الحرة ومنابره المفتوحة ودور النشر التي لا تعترف بالرقابات الحكوميّة والسينما التي تعرض المحظور من الأفلام والمدينة التي تستضيف المعارضة الهاربة من القمع.
تهاوى نموذج لبنان السويسريّ بأخطاء اللبنانيين، ولكن كان هناك قرار رسمي عربي بتدمير لبنان هذا على رؤوس أبنائه، لأن لبنان تجرأ على مقاومة “إسرائيل” وإلحاق الهزيمة بها، ففضح الكذبة العربية عن الجيش الذي لا يُقهَر، الذي كان النظام العربي يبرّر عبرها تخاذله وتنازلاته، وتحمّل أثرياء الخليج التضحية ببيروت كمصرف وملهى ومنتجع وواجهة بيع، وذهبوا الى جنيف، لكنهم لم يحملوا معهم دفتر شروطهم، فصناع الرأي بين العرب وجدوا في جنيف منبراً وصحافة وملجأ، ولم يجرؤ أحد من الحكام على فتح فمه، ومثل جنيف، لندن، وباريس، وحتى واشنطن مربط خيل حكام العرب تستضيف المعارضات وتطلق اسم جمال الخاشقجي على أحد شوارعها.
تقوم القيامة ولا تقعد إذا تحدث أحد في بيروت عن خطأ حاكم أو انتقد سلوك نظام، ويستقال وزير لأنه قبل أن يصبح وزيراً قال إن حرب اليمن عبثية وآن لها أن تتوقف، بينما يستفيق وزراء الغرب كله على رواية الحرب العبثية ولا يجرؤ حاكم عربي على أن ينبس ببنت شفة.
بالأمس استضافت بيروت مؤتمراً لمعارضات في الجزيرة العربية ووزير داخليتنا مستنفر تحت شعار ملاحقة مَن يسيء لعلاقات لبنان بحكومات شقيقة، متحدثا عن نص دستوريّ لا يعرف أحد من أين جاء به.
سؤال بسيط للحكومات العربية لماذا حلال لندن وجنيف وباريس وواشنطن حرام في بيروت؟ وسؤال مواز لوزير الداخلية لماذا الحلال قوله وفعله بحق سورية بكل وقاحة حرام بعضه المهذب والراقي بحق أي حكم عربي؟
الجواب بسيط وهو مَن يهِن يسهل الهوان عليه والمال سيّد الإذلال.