«إسرائيل» والبحث عن مسار إقليمي خارج التغطية الأميركية…
} د. حسن مرهج
بات من البديهي، أنّ جوهر الاستراتيجية «الإسرائيلية»، ينطلق من محدّدات تقتضي الوصول إلى أعلى الدرجات الأمنية، سواء في ما يخصّ عموم الإقليم، أو لجهة الداخل «الإسرائيلي»، لكن يبقى التركيز الأكبر في هذا الإطار، المحيط الإقليمي لـ «إسرائيل»، وهنا لا نقول سراً، إنّ الهاجس الأمني الأكبر لـ «إسرائيل»، يتمثل في سياسات إيران الإقليمية، فضلاً عن برنامجها النووي، وصواريخها البالستية، ولعلّ الهاجس الأكبر لساسة «إسرائيل» وقادتها الأمنيين، يتمثل حقيقة في مواكبة التطورات في فيينا، لجهة الاتفاق النووي مع إيران والمجتمع الدولي، وعلى الرغم من الجنوح الأميركي تجاه التوقيع على اتفاق نووي جديد، إلا أنّ «إسرائيل» ووفق تقديراتها الأمنية، ليست على سجية واحدة مع التوجهات الأميركية حيال إيران وملفها النووي، فالأجندة «الإسرائيلية» التي تُهندسها التقديرات الأمنية، تذهب باتجاه التصعيد ضدّ إيران، واستمرار استهدافها في سورية، ووضع خطط وبرامج عسكرية، لجهة توجيه ضربة عسكرية ضدّ المنشآت النووية في إيران.
بناء على ما سبق، يمكننا القول بأنّ «إسرائيل» تسعى للوصول إلى أهدافها بعيداً عن الاستراتيجية الأميركية، وبهذا فإنّ إسرائيل، تخطط لسياستها كقوة إقليمية مستقلة عن التوجهات الأميركية، ولديها خطط وبرامج مستقلة، تختلف عن سياسات الإدارة الأميركية، لكن مع بقاء مستوى التنسيق بين واشنطن وتل أبيب في أعلى مستوياته، نتيجة لذلك، فإنّ التوجهات «الإسرائيلية» الجديدة، تأتي في إطار الاستراتيجية بعيدة المدى، معتمدة في ذلك، على علاقاتها الإقليمية الجديدة، وتحركاتها الدبلوماسية إقليمياً ودولياً، والتي ساهمت في تحسّن موقعها في المنطقة والعالم، ضمن مشهد مواجهة التهديدات التي تتشكل من حولها، وطرق تعاملها معها.
«إسرائيل» التي تشهد تقدّماً كبيراً في قدراتها العسكرية والاستخبارية، وتنامياً في تطورها الاقتصادي، وزيادة في مكانتها الإقليمية والدولية، لكن في ذات التوقيت، تشهد حالة داخلية من الاضطرابات السياسية، الأمر الذي انعكس سلباً على تعاطيها مع التحديات الخارجية، ومن الواضح أنّ أبرز تلك التحديات، تتمثل في كيفية هندسة علاقاتها السياسية تحديداً مع الدول المجاورة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وأوروبا الشرقية، وكذا التفاهمات مع روسيا ودول القوقاز بمعزل عن الولايات المتحدة، في ظلّ استمرار وجود علاقة حميمة سياسية واستراتيجية معها، تم تشديدها بشكل كبير في حقبة ترامب، وأسفرت عن إنجازات سياسية مهمة لـ «إسرائيل».
حقيقة الأمر، وضمن إطار الواقعية السياسية، فإنّ «إسرائيل» استفادت كثيراً من معادلة علاقتها مع واشنطن، في تطوير قدراتها في المستويات كافة، ولا تزال «إسرائيل» تتمتع بغطاء سياسي وعسكري أميركي، مهّد لها التعمق أكثر في الشرق الأوسط، الأمر الذي استثمرته «إسرائيل»، تمهيداً لإعادة تموضعها في موقف إقليمي جيوسياسي جديد، وبعيد نوعاً ما عن التوجهات الأميركية الجديدة في عموم المنطقة، إذ لا يخفي الساسة «الإسرائيليون»، توجسهم من السياسات الأميركية في المنطقة، وهم بذات التوقيت يعلقون كثيراً من آمالهم وتطلعاتهم على العلاقة مع واشنطن، خاصة أنّ عموم المنطقة مقبلة على تطورات جيو ـ استراتيجية هامة ناشئة عن عدة عوامل رئيسية، أولها الانسحاب الأميركي الاستراتيجي من المنطقة، والتركيز على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأقصى لمواجهة الاتجاهات التوسعية للصين، وثانيها تدخل الصين في المنطقة، مع السعي للاعتراف بمكانتها كقوة عالمية وأهدافها الإمبريالية، وثالثها التهديد الرئيسي الذي يمثله تضارب المصالح المتزايد مع الولايات المتحدة، الأمر الذي سيلزم «إسرائيل» باتخاذ موقف حاد في النزاع بين القوى العظمى.
ختاماً، ما يدفع «إسرائيل» لهندسة مسار إقليمي خارج التغطية الأميركية، ينبع من الإشكاليات التي تؤطر العلاقة مع الولايات المتحدة، فما تراه واشنطن حيال إيران وملفها النووي، لا يروق لإسرائيل، التي ترى في الاتفاق النووي مع إيران، تهديداً وجودياً لها، وبين هذا وذاك، ورغم الاختلاف الأميركي «الإسرائيلي» في النظرة للملف الإيراني، لكن الأخيرة لديها ضوء أخضر أميركي، كما يبدو، للتصدي لطهران بشكل مكثف، ودون تردّد، من خلال الصواريخ والطائرات بدون طيار، ضمن استراتيجية «المعركة بين الحروب»، دون الذهاب إلى سيناريو الحرب المفتوحة، رغم التقدير العسكري لدى كبار ضباط الجيش «الإسرائيلي» أنّ هذه الهجمات الانتقائية والمحدودة التي تنفذها «إسرائيل» لا تعيق سلوك إيران، ولا تضرّ في الواقع بعمليات انتشارها، لأنها تستطيع تعويض خسائرها، كل ذلك يدعو «إسرائيل» لهندسة مسار إقليمي خارج الرغبات الأميركية، لكن ضمن أطر تقدير المخاوف «الإسرائيلية».