أي نتائج لـ «ماراثون»الحوار الفلسطيني في الجزائر؟
} عبد معروف
من غزة إلى القاهرة، وأنقرة والدوحة ودمشق وبيروت والجزائر، تتنقل جلسات الحوار بين الفصائل الفلسطينية بهدف (كما تعلن الفصائل) الوصول إلى المصالحة وينهي حالة الانقسام لخطوة من أجل وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية وفي مقدمتها الاحتلال العنصري الصهيوني، ومعالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين في الشتات وخاصة في لبنان، بانتظار عودتهم إلى وطنهم.
وتتنقل جلسات الحوار من عاصمة إلى أخرى وبرعاية هذه الدولة أو تلك، وكأنّ الفصائل تحتاج اليوم إلى رعاية، وإلى كلّ هذا السفر والتنقل بين العواصم من أجل المصالحة في ما بينها، ووقف الانقسام .
ولا يُعتقد أنّ عامة الشعب الفلسطيني تهتمّ أو تتابع كثيراً مجريات الحوار في الجزائر أو غيرها من العواصم، لأنّ هذه الجولة سبقتها جولات، وكان الانقسام بعد كلّ جولة يزداد انقساماً والانشقاق يزداد انشقاقاً، ولأنّ هذا التنقل من عاصمة إلى أخرى وتحت رعاية هذه الدولة أو تلك ليس له قيمة إنْ لم تكن قيادة الفصائل بداخلها جادة بالحوار، وإنْ لم تكن الفصائل تدرك حجم معاناة الشعب والمخاطر التي تهدّد القضية الوطنية، وحجم مخاطر الهجمات وسياسات العدو «الإسرائيلي».
لكن يبدو أنّ التأرجح بين العواصم وتحت رعاية هذه الدولة أو تلك، يشير إلى أنّ الانقسام الفلسطيني له أبعاد إقليمية وله علاقة بحالة الصراع المتفجّر على مستوى المنطقة كلها، وإذا لم يكن ذلك، فلماذا كلّ هذا التأرجح بين العواصم، ولماذا لا يكون الحوار بمكان واحد، حتى لا تتعرّض الفصائل لأيّ تدخل أو إحراج من الدولة المضيفة.
الوضع الفلسطيني خطير، ليس بسبب شدة الهجمات وتصاعد العدوان «الإسرائيلي» فقط، وحجم التآمر الاقليمي والدولي لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل إنّ المخاطر تزداد أكثر بسبب حالات الانشقاق والانقسام والتشتت والشرذمة التي تمرّ بها الفصائل الفلسطينية، وهذا يتطلب إرادة فلسطينية صلبة وفصائل يمكن لها أن تعي مخاطر المرحلة، وتضع حداً للتعصّب وللفئوية التنظيمية، الوضع خطير ولا يحتمل «ماراثون» الجلسات ولا يكفي التقاط الصور والتصريحات والبيانات، فالعدو يزداد قوة ووحشية ولا يزال يحتلّ الأرض ويصادر الممتلكات، ويبني المستوطنات، ويقتحم المقدسات، والشعب في الشتات لا يزال يعاني الحرمان والقهر والبرد والفقر والضياع والفوضى.
وهذا الوضع الخطير، يجعل من المصالحة ووضع حدّ للانقسام ووحدة الموقف أمراً ضرورياً على أن يكون الحوار جاداً وفاعلاً وملموساً، وفق أسس ونقاط برنامجية وطنية، فليس من حق الفصائل أن تتبادل الشتائم والتخوين، وتمارس سياسة التضليل ضدّ الشعب، وأن تتهم بعضها بالخيانة والانحراف وفي اليوم التالي تجلس قيادة الفصائل على طاولة حوار «وطني» لأنّ طاولة الحوار «الوطني» لا يجلس عليها ولا يشارك فيها إلا الأطراف والفصائل الوطنية، وإذا خرجت الفصائل من طاولة الحوار في هذه العاصمة أو تلك لا يحق لها أن تتهم بعضها في اليوم التالي بـ «الخيانة» لأنها في تلك الحالة تكون قد جالست «الخائن» وهذا معيب.
وأيضاً ليس من حق الفصائل التي تتهم بعضها بأنها تخدم أجندات خارجية وإمارات دينية وليست من النسيج الوطني الفلسطيني، وبعد أيام قليلة يجلسون معاً على طاولة حوار «وطني» فمن يخدم أجندات خارجية ليس فصيلاً وطنياً ولا يحق له المشاركة على طاولة حوار «وطني»، وإلا تكون طاولة الحوار تجمع فصائل تحاول فضّ الخلاف بينها بسبب وضعها الداخلي المأزوم، وليس طاولة حوار وطني لأنّ الوطن يتعرّض للعدوان والقضية تتعرّض لهجمة والشعب يتعرّض للموت.
الخلاف بين الفصائل الفلسطينية ليس في ميادين القتال مع العدو، وليس على برامج إنقاذ اللاجئين من مأساتهم، إنه خلاف سياسي فصائلي، فالعمليات بعمق العدو متوقفة، وميادين القتال مع الاحتلال هادئة نسبياً رغم عمليات التصدي البطولية لثوار الشعب، واللاجئون يعيشون بأسوأ أوضاعهم، لذلك لا بدّ من التأكيد على أنّ الخلاف بين الفصائل هو صراع على السلطة والقيادة، وهذا موضوع ثانوي لدى الشعب أمام المخاطر التي يتعرّض لها الوطن، الشعب يريد وحدة وطنية حقيقية ، لا وحدة فصائل تتهم بعضها بالأمس بالخيانة والتنسيق وخدمة أجندات وإمارات دينية وتجلس اليوم على طاولة حوار «وطني»!
الشعب يحتاج إلى وحدة وطنية، أطرافها لا تتبادل الاتهامات، وحدة وطنية تعمل من أجل الوطن، برامجها وأدواتها وطنية لا تساوم، ولا تخدم أجندات خارجية، فلا انشقاقات ولا انقسامات ولا حوارات بين الفصائل تهمّ الشعب اليوم، إن لم تعمل جادة على الحشد والوعي والتنظيم في ميادين القتال ضدّ الاحتلال، وفي ميادين مواجهة المخاطر التي يتعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون في الشتات خاصة في لبنان.
وجلسات الحوار في الجزائر إنْ لم تكن على هذه الأسس فلا قيمة لها، ولن تكون نتائجها إلا الصور والبيانات.
والمخاطر التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية، لا يعفي الشعب الفلسطيني والنخب الوطنية في صفوفه من المسؤولية بدفع الفصائل للوحدة «الوطنية» الجادة والفاعلة وتمارس كلّ أنواع الضغط من أجل وضع حدّ للانقسام والعمل بجدية من أجل الوطن لا من أجل النفوذ والسيطرة والامتيازات.