الإنذار الخليجيّ فقاعة وترسيم الحدود بيضة القبان
ناصر قنديل
– ينخرط فريقان مختلفان في الترويج لخطورة الورقة الخليجيّة، ويصل البعض لاعتبارها مدخلاً لحرب مالية اقتصادية تعادل حرب تموز التي شنتها “إسرائيل” على لبنان عام 2006. ويقوم هؤلاء بربط ما يسمونه بـ “الإنذار الخليجي” بفرض الانسحاب السياسي والانتخابي على تيار المستقبل ورئيسه، للقول إن أحداثاً خطيرة تنتظر لبنان لا يعرف أحد حجم المجهول الذي تنبئ به. والفريقان المتقابلان في السياسة، والملتقيان على نظرة واحدة للورقة الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت، هما فريق مؤيّد للمقاومة يرى أن هناك مخططاً لتشديد الحصار على المقاومة، وأن الورقة الخليجية التي قيل إنها ورقة عربية دولية ليست لملء الوقت الضائع بل هي جزء من خطة، تتضمن في حال رفض لبنان الإذعان حصاراً مالياً واقتصادياً إضافياً قد يكون من بين بنوده وقف التحويلات المالية من الخليج الى لبنان، حيث نسبة كبيرة من الانتشار المقتدر مالياً؛ أما الفريق الآخر فهو الفريق المنخرط في المواجهة مع المقاومة ويسعى لتسويق نظرية “الإنذار الخليجيّ”، في سياق تظهير ما يصفه بنتائج سياسات حزب الله السلبية على المصلحة اللبنانية، داعياً لقبول الإملاءات التي تضمنتها الورقة الخليجية، بكل ما فيها من دعوة للاشتراك في التآمر على سلاح المقاومة.
– ما يستحق الانتباه في الورقة هو تكرارها في أكثر من بند بتعابير مختلفة لما يتصل بسلاح المقاومة، والمعلوم أن هذا الأمر عنوان السياسة الأميركية تجاه لبنان، ومحور الاستهداف الإسرائيلي للبنان، والأكيد أن حركة الدول الخليجية ليست منفردة ولا تستطيع ان تكون منفردة، فهي جزء من معسكر تقوده واشنطن وتشكل “إسرائيل” عضواً بات رسمياً وعلنياً فيه، والسؤال هو هل نحن أمام معطيات تقول إن جولة مواجهة حاسمة مع المقاومة قيد التحضير، لأن سقف ما يوفره القبول او الرفض اللبناني، هو المدخل السياسي لخطوة عملية لا تستطيع ان تكون فاعلة ما لم تكن حرباً. فلنفترض بمعزل عن التوازنات الداخلية اللبنانية، أن الجواب اللبناني كان قبولاً فماذا سيقول له الخليجيّون عن خطة التنفيذ، جرّدوا الجيش اللبناني بحملة لنزع السلاح وهم يعلمون استحالة الحفاظ على وحدة الجيش لتنفيذ قرار كهذا، واستحالة قدرته الفعلية على النجاح حيث فشلت أميركا و”إسرائيل” والقاعدة وداعش؟ فهل سيقول الخليجيون وقوتهم الضاربة في السعودية هاكم عاصفة حزم كالتي تضرب في اليمن لتنجحوا كما نجحت السعودية هناك، وهم غارقون منذ سنوات لا يعرفون للخروج منها سبيلاً؟ أم سيقولون للبنان، أن الأميركي والإسرائيلي جاهزان للانخراط في هذه الحرب فتجهّزوا لملاقاتهم، وكذلك ماذا لو قال لبنان، كما سيقول فعلياً، إن المرحلة الراهنة وفقاً لاتفاق الطائف والقرارين 1559 و1701 هي مرحلة تحرير مزارع شبعا، وقد فشلت الأمم المتحدة بإقناع أميركا و”إسرائيل” بفصل مسارها عن مسار الجولان رغم التسليم الأمميّ بلبنانيتها، وأمر السلاح ليس هو الراهن، رغم كونه موضوعاً للمناقشة في جلسات الحوار الوطني تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية، فهل سيقرر الخليجيون عندها التصعيد المالي وصولاً لخطوة عمليّة لاحقة، ومَن سيقوم بها؟ وهل هذا هو التوجه الذي يراه الأميركيون والإسرائيليون للتعامل مع مأزقهم في مواجهة المقاومة، وأنيط بالخليج تقديم نقطة الانطلاق والغطاء السياسي؟
– قلنا في هذه الزاوية مراراً، وها نحن نعيد مع وصول المبعوث الأميركي لترسيم الحدود البحرية للبنان، آموس هوكشتاين، الى بيروت، إن ما بعد سفن كسر الحصار غير ما قبلها، وإن طبيعة القرار الأميركي بالرد عليها في زمن الانسحاب من أفغانستان يعبر عن سقوط نظريات الحرب، بل عن التراجع عن سياسة الإسقاط التي كانت مقررة للبنان، فاستثناء استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سورية من العقوبات، تعبير شديد الوضوح عن قناعة أميركية إسرائيلية بخطورة الذهاب الى خيار المواجهة حتى النهاية، وإن سفن كسر الحصار قد تصبح سفن تنقيب أحاديّ عن الغاز تحميها المقاومة وتغير عبرها معادلات لبنان والمنطقة. وهذا هو المغزى الوحيد لإيفاد المستشار الخاص للرئيس جو بايدن لشؤون الطاقة للعب دور الوسيط في قضية ترسيم الحدود البحرية، في ظل مواقف إعلاميّة أميركية وإسرائيلية واضحة ومنشورة في الصحافة، تقول إن المطلوب تقديم تنازلات إسرائيلية في ملف الترسيم بحدود القبول اللبناني. وهنا يتم التداول بمقترح القبول بالخط 23 معدلاً بحيث يتضمن حقل قانا من ضمن الحصة اللبنانية، فهل يمكن لهذا التوجّه أن يكون إطاراً لسياسات مبنية على فرضية التصعيد الذي لا قيمة له ما لم تكن نهايته الحرب؟
– الورقة الخليجية فقاعة سياسية إعلامية لربط النزاع وفتح التفاوض، تحت العين الأميركية، بخلاف فرض الانسحاب على الرئيس الحريري وتياره من المشهد الانتخابي، الذي يشكل خطوة سعودية منفردة لها حساباتها الخاصة، سواء بترتيب بيت التبعية للسعودية في لبنان أو برسائل سعودية للأميركي عبر التشويش على المسار الانتخابي اللبناني الذي تهتم له واشنطن، في سياق التجاذب حول مستقبل العرش السعودي، ولذلك فالورقة الخليجية مقدّمة لصياغة اتفاق على حدود القدرة اللبنانية على التعهد بتخفيض السقوف الإعلامية للاشتباك مع السياسات الخليجية من جهة، وإعلان الاستعداد لفتح باب النقاش حول مستقبل سلاح المقاومة، ولو تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية، وتحويل الأزمة الخليجية مع لبنان الى إحدى أوراق الضغط الهادفة لسحب حزب الله من جنوب سورية، حيث العين الأميركية والإسرائيلية، لتوفير مناخ مناسب للانسحاب الأميركي على طريق مسار الانسحاب الذي بدأ في أفغانستان، ويعطله في سورية والعراق القلق الأميركي على أمن “إسرائيل”، وتقوم الوصفة الأميركية الواقعية على تخفيف المخاطر لا ادعاء القدرة على إنهائها، فلا الصواريخ الدقيقة مطروحة للتفاوض، ولا مستقبل سلاح المقاومة، وكل منهما بات مسلماً أنه فوق طاقة اي سياسة أميركية أو إسرائيلية او خليجية. ووصفة واشنطن الراهنة هي تخفيض المخاطر عبر دعم حكومة لبنانية يشارك فيها حزب الله ومساعدتها على النهوض، وترسيم بحري يوفر مناخاً من التبريد، والضغط بكل ما يتاح، لسحب حزب الله وحداته من جنوب سورية، منعاً لمعادلة في جنوب سورية تشبه معادلة جنوب لبنان، تسهيلاً للانسحاب الأميركي من سورية.