خروج الحريري و«جَلْده» والاستعجال بوراثته أنموذجاً…
} علي بدر الدين
تحاول المكونات السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية استيعاب تداعيات «الخرق» الذي أحدثه سعد الحريري بتعليق عمله السياسي وعزوفه ومجموعة من المقرّبين إليه في تيار المستقبل عن الترشح للانتخابات النيابية الموعود حصولها في أيار المقبل، والذي أدّى الى اهتزاز فرائص بعض القوى السياسية والطائفية وتقوية أخرى، وأكثر المتضرّرين في المعادلة الطائفية القائمة في هذا النظام المهترئ كانت الطائفة السنية التي ينتمي إليها الحريري، التي خشيت من حصول فراغ قيادي داخلها، يؤدي إلى خروجها عما يسمّى بالميثاقية، بعد أن كانت دائماً هي الفاعلة والمؤثرة و «أمّ الصبي» في أية صيغة توافقية وتسووية، ولا يمكن لها أن تخرج من هيكل هذا النظام القائم على الأعمدة الطائفية، لمجرد خروج قطار الحريري عن سكة «الحياة» السياسية اللبنانية، رغم شعورها باليتم، وتعويضه في لحظته بالالتفاف العاطفي حوله، وبردود فعل سياسية حزبية وشعبية وطائفية ومذهبية وإنْ جاءت خجولة ومتواضعة وباردة جداً، وكأن ما حدث هو بمثابة طي لصفحة الحريرية السياسية، مجرد غيمة عبرت واختفت في كثافة السحاب، من دون أن تترك أثراً إيجابياً واحداً، يمكن ان يبقى في ذاكرة السياسيين والطائفيين والمذهبيين والشركاء في السلطة والمحاصصة والنهب والتسويات وإفقار اللبنانيين وتجويعهم وإذلالهم وتهجيرهم…
المفاجئ أنّ الجميع «نسل» يده و«تنصل» من الحريري، بل كثر السلاخون والباحثون عن مصالحهم السلطوية والشخصية وعن «الفارس» البديل الذي سيأتي ويمتطي صهوة «الزعامة»، ليبني عليه مقتضاه المصلحي النفعي والتحاصصي والسلطوي والتحالفي الانتخابي المرحلي أو الدائم وفق توجهات البوصلة المحلية والعربية والدولية التي ترسم الخرائط والدوائر وحلبة الصراع والتلاقي.
الللفت انه لم تمض بضعة أيام، على قرار سعد الحريري بالخروج من المسرح السياسي «المؤقت» من دون سقف أو المستدام، حتى «فلتت» ألسنة بعض القوى السياسية من عقالها، و«الملق» من مكانه، لتبرئة ذممها من التحالف والعلاقة معه، أو في أحسن الأحوال إبداء التعاطف معه مجاملة، ولأنّ الخبز والملح جمعهم مرة أو مراراً، والأبرز في هذا المجال ما أدلى به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع واستجراره لردود فعل قاسية عليه من جمهور «المستقبل» وبعض قيادات، ثم الظهور التلفزيوني المفاجئ لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي طوى صفحة الحريري وتياره دون ان يعلنها، وكشف عن تحالفه الانتخابي والسياسي مع «القوات»، إلى التسويق لنواب في كتلة المستقبل النيابية بعنوان أنّ لهم حيثيات سياسية وشعبية، توجب عليهم إعادة الترشح للانتخابات من دون الالتزام بدعوة الحريري لهم بعدم الترشح في دورة ٢٠٢٢ الانتخابية.
وما زاد «الطينة بلة» لدى سعد الحريري والمحيطين به هو الإعلان فجأة عن وجود ممثل سياسي وعلاقات عامة لبهاء الحريري في لبنان، ثم ظهوره التلفزيوني في لحظة الفراغ السياسي الطائفي والعائلي الذي أحدثه خروج شقيقه سعد، ليؤكد أنّ هذا الفراغ لن يحصل و«نحن هنا»، ثم يتواصل تدحرج كرة «الصدمة»، وأصبح البعض على عجلة لملء الفراغ الذي نتج عن هذا الخروج وأربك الطائفة ومرجعيتها، مما حتم زيارة ربما هي الأولى من نوعها لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الى السراي الحكومية ولقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتلتها زيارة أولى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى دار الفتوى لإبداء التعاطف وتطييب الخواطر وإبداء كلّ دعم وتعاون وحرص، وتأكيد على دور دار الفتوى ومرجعيتها وعلى الطائفة السنية في لبنان.
كلّ هذه الحركة مع البركة او من دونها، لن تغيّر أو تضيف شيئاً في الواقع السياسي والطائفي او المستجدّ، الذي فرضه قرار الحريري، وهي ليست سوى همروجة إعلامية، يوظفها البعض لمصالح انتخابية، واستدراج أصوات «المستقبل» لهذا التحالف او ذاك، من خلال النقر على وتره العاطفي واحساسه بأنه ليس وحيداً بعد أن خرج «زعيمه» من الساحة وتركه وحيداً يعاني وتتقاذفه الأحزاب والتيارات و«القيادات» المفترضة، او تلك التي تبحث عن موطئ قدم لها في رئاسة الحكومة مستقبلاً، أو أن تكون في عداد الصف الأول في الطائفة.
إنّ ما يتعرّض له الحريري من «قلة وفاء» و«نكران جميل» وانقلاب البعض القريب والبعيد عليه والمستفيد منه، ومن «ظلم ذوي القربى» يشكل أنموذجا على كلّ مسؤول سياسي وسلطوي أن يأخذه بعين الاعتبار، ويتأكد بأنّ السياط جاهزة للجلد والسكاكين مسنّنة للذبح، عند السقوط في أية لحظة أو ظرف أو مكان، لأنّ التاريخ لن يرحم أحداً والظلم عاقبته وخيمة، والسلطة والمال والنفوذ وكلّ الجبروت والاستبداد لن يحموا الفاسد والمرتكب، مهما بلغ شأنه وذاع صيته وطارت شهرته، وتراكمت ثرواته، وسيأتي يوم يقع فيه لسبب أو آخر، ولن يقوم بعدها أبداً.