فرع المعلومات جدارة مستحقّة لتأكيد الحصانة وتجديدها
ناصر قنديل
– حجم الأذى الذي أصاب درجة التمسك بالضوابط الوطنية الصارمة في النظرة لمفهوم التعامل مع العدو، خلال السنوات القليلة الماضية كبير جداً وخطير جداً. فقد شهدت هذه السنوات خطوات قضائية وعملياتية مثل ذروتها الإفراج عن العميل عامر الفاخوري وظروف هذا الإفراج الفاقعة في إساءتها لمفهوم الحصانة الوطنية، وتلتها أحكام وتعاملات قضائية وأمنية روجت لمفهوم التهوين تجاه قضية العمالة للعدو. وترافق ذلك كله مع ثقافة سياسية عالية النبرة في عدائها للمقاومة تحت شعارات مختلفة رافقت موجة فكرية حملتها جمعيات وتشكيلات نسبت نفسها لانتفاضة 17 تشرين 2019، وسوّقت معها ذرائع عديدة صبّت كلها في خانة تدمير جدار الحرم النفسيّ من أمام العدو وأجهزة مخابراته، تحت عنوان يعرفه الخبراء جيداً. وهو وحدة المشاعر مع العدو كنقطة انطلاق عالية المردود في فتح الأبواب أمام تجنيد العملاء، وأحاط بذلك كله صعود مفهومين للعروبة والسيادة، لا مكان فيهما للعداء للاحتلال. فالعروبة هي الولاء لحكومات الخليج التي قطعت أشواطاً في التطبيع مع العدو والترويج لهذا التطبيع كنموذج للازدهار والاستقرار. والسيادة هي التخلص من المقاومة وسلاحها، مع الإدراك المسبق لكون ذلك مطلباً إسرائيلياً صرفاً سينتج عن تحقيقه دمار شامل للمصالح الوطنية الجوهرية، خصوصاً ترسيم حدود ثروات النفط والغاز ومستقبل المواجهة مع مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين.
– قيمة ما أنجزه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي مؤخراً لجهة الكشف عن نجاحه بتفكيك سبع عشرة شبكة مختلفة للتعامل مع العدو، أنها تأتي في هذا المناخ لترد الاعتبار لمفهوم الأمن الوطني، وعلاقته بالمواجهة مع محاولات الاختراق التي يجهد العدو للفوز بها. وهذا أكبر بكثير من القيمة الأمنية الكبيرة التي تمثلها العملية بذاتها، فما يقوله فرع المعلومات عملياً هو أنه كفاعل رئيسي في المواجهة الاستخبارية مع شبكات التجسس التي يبنيها العدو، لم يتأثر بهذه الموجات التخريبيّة في رسم أولويّاته، ولم يعدل بها لأقلمتها مع هذا المناخ المريض الوافد على لبنان واللبنانيّين، خصوصاً أن الاختراقات السياسيّة والثقافيّة لهذه المفاهيم وجدت صداها في مواقع حكوميّة فاعلة، تسبّب ظهور سقوفها السياسية المنخفضة في أولوية المواجهة مع الاحتلال، وانشدادها النفسي نحو أولوية استرضاء مراكز فعل دولي وإقليمي معادية للمقاومة، والاشتراك في ترويج ثقافة العروبة المشوّهة والسيادة المقلوبة. وهذا الثبات فعل جدارة احترافي ووطني يجب ان يسجل لفرع المعلومات، المحسوب وفقاً لقواعد اللعبة اللبنانية المريضة في خانة سياسيّة تقع تحت تاثير المنخفض الفكري والثقافي والرياح التي حملها معه.
– في الوقائع التي تسنّت معرفتها عن عملية فرع المعلومات التي تشكل واحدة من أكبر عمليات تفكيك شبكات التعامل مع العدو في تاريخ الدولة اللبنانية، وهي الأهم منذ سنوات، كما قال الفرع في توصيفه لها، تظهر الآثار المباشرة للتهوين الثقافي الذي رافق صعود هيئات وجمعيات محسوبة على مرحلة ما بعد 17 تشرين، من خلال الاختراقات التي أصابت هذا الجسم نفسه، فيما كانت الخطورة الأكبر في التعليقات التي رافقت عملية الكشف من هيئات حقوقية ممولة من الخارج، كانت تقدّم نفسها كضابط إيقاع لمفهوم الأجندة القانونية، وإذ بها تخرج بتعليقات تهدف للتهوين من الأمرين معاً. أهمية ما قام به فرع المعلومات، تضعه في خانة توصيفه بالعمل الاستعراضي، وخطورة ما كشفه حجم التوغل الاستخباري للعدو، فذهبت التعليقات للتبرير والذرائعية وتسخيف العمالة، لتصير نتاجاً تلقائياً لتفكك ما وصفته بالفكرة الوطنية القائمة مع الانهيار الاقتصادي والمالي وتفشي الفساد، ما يكشف حجم الأذى الذي لحق بمنهجيّة التفكير الذي يفترض أن يفصل بين دراسة ظروف نمو الجريمة لتجفيف البيئة المناسبة لنموّها، وبين التمسّك بالنظام القانوني في التعامل مع المجرمين الهادف لردع الوقوع في شباكها، بدلاً من تحويل فهم الأسباب المساعدة على تفشي الجريمة الى أسباب تخفيفيّة للمجرمين ودعوة لإفلاتهم من العقاب. وهذا المنطق نفسه يستخدمه الذين يقولون إن الفساد هو نتاج طبيعي للنظام الطائفي لتبرير دعوتهم لعدم تجريم الفاسدين، وتجهد هذه الهيئات الحقوقيّة في التصدي له، لتعلق في ازدواجية معايير أقل ما يُقال فيها إنها علامة فساد ونقص في نزاهة الفكرة أو مؤشر على شبهة.
– مسؤولية النخب السياسية والثقافية اليوم أبعد من مجرد تقدير الإنجاز، وهو أمر مطلوب وواجب، وصولاً لمراجعة نقدية للمفاهيم والأفكار والثقافات التي تمهّد الطريق لتحطيم عناصر المناعة والحصانة الوطنيتين، بوجه العدو، ورد الاعتبار للمفاهيم والسياسات التي تشكل الأرضية الصلبة لتحصين البيئة اللبنانية بوجه الخطر الدائم والداهم الذي شكله ويشكله وسيبقى يشكله هذا العدو على كل لبنان، وكل اللبنانيين.