الممثل والكاتب المسرحي الرفيق محمد شامل
قليلون يعرفون أنّ الممثل القدير، والأديب المسرحي، محمد شامل كان من بين الذين انتموا إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكانت لتعاليم الحزب بصمات واضحة على إنتاجه الوفير بحيث أنّ حلقاته التلفزيونية كانت تزخر بالتوجيهات والمثل، وبالتشديد على مبادئ الأخلاق والمناقب، تماماً كما كانت حلقات الرفيق أديب حداد (أبو ملحم).
يفيد الأستاذ عبد الحفيظ اللاذقي عن كيفية انتماء والده الأمين محمد راشد اللاذقي، بما يلي:
ذات يوم من العام 1934 وبينما كان الشاب محمد اللاذقي مع صديقيه محمد شامل وعبد الرحمن مرعي (الثنائي المسرحي في ما بعد «شامل ومرعي») يقومون ببعض التمارين لمسرحية في منزله، أخبراه أنه يوجد حزب سري زعيمه يبشر بنهضة جديدة. هذا ما دفعه للتوجه مع محمد شامل إلى أحد الأمكنة في شارع المعرض ليتعرّف إلى هذا الحزب. هناك استقبلهما شاب فدار نقاش بينهما ثم طلبا مقابلة الزعيم وعندما دخلا، وجدا نفس الشخص الذي تكلما معه أولاً، فهو نفسه الزعيم».
أما الأمين جبران جريج فله رواية أخرى، مشابهة، إذ يقول في الجزء الأول من مجلده «من الجعبة» الصفحة 307 ما يلي:
« تمّ اتصال الرفيق عبد الفتاح زنتوت من رأس بيروت بصديقه الحميم محمد شامل الذي كان على صداقة وطيدة بمحمد راشد اللادقي فاتصل به لتبشيره بالاكتشاف السعيد بوجود النهضة السورية القومية الاجتماعية، لإشراكه بالعمل في سبيلها فعقدا على أثرها جلسة تشاور وبحث ونقاش قرّرا فيها السير قدماً في هذه الطريق فاتفقا مع زنتوت على لقاء مع أحد الدعاة لهذه الرسالة القومية الشريفة.
«حدث اللقاء في مكتب الحزب السري في شارع «فوش» فقابلا فيه شخصاً أخذ يشرح لهما الأفكار الجديدة وبعد مضيّ ما ينوف على الساعة ونصف الساعة اقتنعا فاستدعى هذا الشخص الرفيق عبد الفتاح زنتوت الذي تسلّمهما وأخذ بدوره يشرح لهما المرحلة الجديدة التي تسبق الانتماء بدءاً من القسم فلم يمانعا في ارتباطهما بالقسم، والالتزام بالقوانين السارية المفعول بهذا الحزب السري وأصبحا عضوين فيه.
«على أثر هذه العملية عرض الرفيق زنتوت عليهما تعريفهما بزعيم هذا الحزب فقادهما إلى الغرفة التي تمّ فيها لقاؤهما بالشخص الأول، ولشدّ ما كانت دهشتهما عندما عرفا أنّ هذا الشخص هو زعيم الحزب بعينه.
«بهذا الانتماء بدأ عهد جديد لمنطقة رأس النبع والبسطة فقد حصل الرفيق الجديد محمد راشد اللاذقي على تفويض لإدخال المواطنين الصالحين في الحزب السري آنذاك، وانطلق يعاونه الرفيق الجديد محمد شامل في هذه المهمة بكلّ عزيمة صادقة أعطت نتائج مذهلة في هذه المحلة».
ويضيف الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من مجلده «من الجعبة» فيروي أنه في «دار الرفيق بشير فاخوري (الأمين لاحقاً) في محطة النويري»، كانت تعقد الاجتماعات فلا يمضي أسبوع إلا وفيه لقاء مع المواطنين الراغبين في التعرّف إلى التعاليم السورية القومية الاجتماعية وكان الزعيم يحضر البعض منها، في أحدها ألقى الرفيق محمد شامل قصيدة من عيون الشعر:
«أخا الخطرات الغرّ أنك ملهمي
وغيرك في الألباب لـم يتحكمِ
ومن مُحكمات الرأي فيك تولدت
بنـا عزمة شمـاء لـم تتحطمِ
اثِرها عوانا في البلاد إذا أبى
علينا ارتياد الحق سيف المقسّمِ
ولم نرض إلا وحدة فابنِ أسّها
بأيدٍ وخـلِّ القـول للمتهجمِ
وإن صك الاستعباد لم تمحُه يد
فقد يمحى صك المهانة بالـدمِ
* *
يزجّون في ليل السجون ضياغماً
وهل كانت الأصفاد إلا لضيغمِ
ولو أنصفوا همّوا بدكّ شرائع
بها يؤخذ الحر الأبي كمجرمِ
* *
وإني زعيم القوم جئت مبايعاً
على رغم ما يبدي العشير ولوّمي
كما بايع الأنصار قدماً محمدا
وصافى الحواريون عيسى بن مريمِ”
إثر وفاته، كتبت عنه «البناء» في قسمها الثقافي، ومما قالت:
«الذي ميّز محمد شامل أنه أعطى بطولة أعماله المسرحية والإبداعية للشعب، ولأنّ الذين يكتبون التاريخ هم غالباً من خارج الأزقة الشعبية، أسقطوه من قائمة الشرف، ولم يبصروا جيداً كيف تمكّن هذا الضاحك الرزين من تحويل ضحكته الهادفة إلى رغيف خبز.
باكراً أدرك من خلال مدرسة النهضة القومية التي انتمى إليها أن أكثر الآداب تأثيراً وفعلاً في الناس هو أدب الحياة، فغرف من أبجديتها عناصر أدبه وتفاصيل كل ما كتبه للمسرح والتلفزيون والإذاعة،
كان يعرف أنّ الإبتسامة أحياناً تكون بديلة عن علبة الدواء، فظل على مدى 65 عاماً يعالج الناس بالفكرة الضاحكة، والفم الذي يصير وقت تبادره الفرحة بحيرة صافية كسماء.
عام 1927 بدأ محمد شامل التمثيل وأسّس مع زملاء له «منتدى التمثيل والرياضة» وكان أول نص مثله «الثعلب».
عام 1938 التحق بالمعهد الشرقي الذي تشرف عليه جامعة ليون الفرنسية وتخرج عام 1943 حائزاً على دبلوم في الأدب العربي،
شارك في تأسيس «جمعية ترقية التمثيل الأدبي» ثم أنشأ مع رشاد العريس فرقة «أسرة بيروت» أول محطاته الراسخة كانت الثنائي الذي شكله مع عبد الرحمن مرعي فعرفهما الناس من خلال «شامل ومرعي».
انتخب عام 1950 نقيباً للممثلين في لبنان. ثم عمل في إذاعة الشرق الأدنى وبعدها في الإذاعة اللبنانية.
تعرّف على حسن علاء الدين، وأطلق عليه اسم شوشو، الذي تزوّج من ابنته فاطمة وكانت بينهما أعمال كثيرة ناجحة.
ويعتبر كذلك من مؤسّسي الفولكلور اللبناني مع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز وتوفيق الباشا وآخرين.
وكان محمد شامل علامة فارقة في الفن اللبناني، وطّد الفن المعلّم والمربي يوم كان الفن في بداياته في العالم العربي، وأراد الفن رسالة، وفعل ذلك حين لم يخل عمل له من النصيحة والواقع ومحبة الخير للناس.
جمع إلى الكوميديا حكمة الخابر شؤون الحياة، فكانت أعماله قريبة إلى قلوب الناس، وغدا فنان الشعب، وأول رائد للكوميديا الشعبية.
يوم الثلاثاء، أغمض عينيه عن تسعين سنة من الضوء والعطاء، خرج في تشييعه العديدون، شيّعه الكثيرون دون أن يخرجوا وراءه، كأنهم عرفوا أنه منذ أقعده المرض قبل سنوات، أنّ الضحكة باتت نادرة في عالم يدمن البكاء».
بطاقة هوية
ولد في بيروت عام 1907، واسمه الحقيقي محمد شامل حسن الغول البابا.
في سن الخامسة عشرة بدأت هواية التمثيل تتضح لديه.
مارس التدريس بين (1932-1937).
شارك في تأسيس جمعيات فنية عديدة.
نقيب ممثلي لبنان عام 1950.
عمل مديراً لمدرسة البنين الأولى في عين المريسة مدة 25 سنة.
عام 1960، قدّم للتلفزيون برنامج (أيهم الأصدق، ثم قدم في القنال 11 برنامجاً للأطفال مع شوشو) .
كتب 12 ألف نص للإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما من الأربعينات ولغاية 1989.
كتب للعديد من الإذاعات العربية ما يزيد على ألفي برنامج.
من برامجه المحلية: إنس همومك، شامل ومرعي، يا مدير، ع الماشي، يوميات شوشو، عزوز وأبو الزوز، مسبّع الكارات، شوشو بوند، اسمعوا يا ناس، صوت الوطن.
من برامجه التلفزيونية: يا مدير، شارع العز، مسرح أبو الريش، الدنيا هيك، حي الموزاييك، حكواتي الحي، أشعب والكندي، صبر أيوب، القاتلة السعيدة.
من أعماله المسرحية: الكركون، المدرسة القديمة، جنة الدنيا، مصيدة العرسان، مشكلة زوجية، ضربة حظ، عيلة أبو المجد، الثعلب، وراء البرافان.
في السينما اشترك في حوار الأفلام التالية: شوشو والمليون، عروس لبنان، اللحن الأول، ولدت من جديد، يا سلام ع الحب.
حمل وسام الإستحقاق الذهبي عام 1957. ودرع رواد الإصلاح من المقاصد عام 1980، ودرع وزارة الثقافة عام 1998.