من يحمي الوكالات الحصرية ويبقي الضرائب غير العادلة؟
} حسن حردان
مرة جديدة أحبطت، في الجلسة النيابية الأخيرة، محاولة لإلغاء الوكالات الحصرية… وكان واضحاً انّ الكتل النيابية، التي تصدّت لهذه المحاولة، لها مصلحة مباشرة في حماية نظام الاحتكار الذي تجسّده هذه الوكالات والذي عمره من عمر النظام الطائفي الذي بناه المستتمر الفرنسي… فهذه الوكالات، التي تحتكر استيراد الكثير من المواد والسلع الأساسية، تتحكم بأسعارها وتجني من وراء ذلك الأرباح الخيالية، التي يذهب جزء منها لبعض الأطراف السياسية، ولهذا ترفض هذه الأطراف وضع حدّ لهذا الاحتكار، وتشريع المنافسة لخفض الأسعار بما ينعكس إيجاباً على حياة اللبنانيين…
لم يقتصر الأمر على مجلس النواب الذي سارع قسم كبير من كتله إلى الدفاع عن مصالح أصحاب الوكالات الاحتكارية… بل انّ الحكومة التي ناقشت و»أقرّت» موازنة العام 2022 دعت بلسان رئيسها اللبنانيين إلى تحمّل الأعباء والمزيد من التقشف وشدّ الأحزمة، لكنها امتنعت عن مجرد التفكير بإلغاء نظام الوكالات الحصرية لخفض الأسعار. كما امتنعت عن إعادة النظر بالنظام الضريبي الجائر الذي يساوي بين الأثرياء وأصحاب الدخل المحدود، من خلال ارتكازه على الضرائب غير المباشرة، بدلاً من الارتكاز على الضرائب المباشرة التصاعدية… كما أنّ الحكومة لم تبادر إلى اتخاذ ايّ إجراء لإلزام المصارف بالإفراج عن ودائع المواطنين.. وهي بذلك انما تحمّل الفئات المحدودة الدخل أعباء معالجة الأزمة المالية والاقتصادية!
ماذا يعني ذلك؟
انّ الحكومة تمعن في اعتماد سياسات الإفقار وتعميق التفاوت الاجتماعي، وترفض تحميل الطبقة الرأسمالية الريعية المسؤولة عن إفلاس البلاد وإشاعة الفساد، أعباء معالجة الأزمة، وتصرّ على مواصلة حماية مصالح الطغمة المالية التي استولت على ودائع المواطنين، وترفض توزيع أعباء الأزمة بعدالة بحيث تتحمّل الطبقات الميسورة العبء الضريبي الأكبر.. وإذا لم تلحظ خطة التعافي إجراءات جدية لاستعادة الأموال المنهوبة، أو بالحدّ الأدنى إجراء نوع من الهيركات على المصارف وأصحاب الودائع المرتفعة الذين أثروا من الفوائد المرتفعة، والهندسات المالية… فإننا سنكون أمام إمعان في استمرار السياسات التي أفلست البلاد ودمّرت الإنتاج الوطني وزادت الفقراء فقراً، وسحقت الطبقات الوسطى والصغرى..
تظهر سياسة الحكومة المالية، من خلال رفض تعديل النظام الضريبي، إصراراً على مواصلة السياسات الاجتماعية الجائرة مما يزيد من جحيم الأزمة المعيشية التي تطال أغلبية اللبنانيين الذين انهارت قدرتهم الشرائية بفعل تدني قيمة الليرة مقابل الدولار!
كما تُظهر هذه السياسة الحكومية انّ النظام الطائفي الذي يقوم على التحاصص الطائفي وحماية الفساد والعملاء، هو الذي يكرّس أيضاً الاضطهاد الاجتماعي ويفاقم من أزمات اللبنانيين.. ما يؤكد الترابط بين النضال لإلغاء الطائفية، وتحقيق العدالة والمساواة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص بعيداً عن الطائفية والمحسوبية، وبين سعي اللبنانيين لتحقيق تطلعاتهم وآمالهم في إرساء التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية على طريق إيجاد الحلول الفعلية لأزماتهم المزمنة التي أغرقتهم فيها الطبقة الرأسمالية الريعية المستفيدة من استمرار النظام الطائفي، الذي يحمي مصالحها واستمرار عملية نهبها لمقدرات البلاد، ويحول دون محاسبتها وتحميلها أعباء ما أدّت اليه سياساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية الجائرة…