نصرالله يُصيب عصافير الاستراتيجية والسياسة بحجر التصنيع: الغارات الإسرائيليّة على سورية وخطة الأميركيّين للحدود معها
ناصر قنديل
– ستبقى طويلا تداعيات وترددات كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن تحويل آلاف الصواريخ التي تمتلكها المقاومة الى صواريخ دقيقة داخل لبنان، وعن تصنيع الطائرات المسيّرة في ورشات المقاومة اللبنانية وامتلاك فائض منها جعله يقول، مَن يريد أن يشتري فليقدّم طلباً، وعن تفعيل شبكة صواريخ الدفاع الجوي جزئياً بما يخصّ الطائرات المسيّرة، وهذه الترددات والتداعيات على المشهد الإسرائيلي تتصل بمستقبل فرص الحرب وفرضيّاتها. فالتوازن الذي تنشئه هذه الثلاثية يصيب كل منظومة الضوابط التي رسمها الإسرائيليون لنظرية الحرب، ويظهر هشاشتها. فالحديث عن متابعة الجيش الإسرائيلي لعدد مخزون المقاومة من الصواريخ الدقيقة كعامل مقرّر في الحرب يصبح مزحة سخيفة أمام إعلان السيد نصرالله، خصوصاً أن الركن الثاني في ثلاثية نصرالله هو إصراره على القول في كل من مفردات الثلاثية، تحويل (الصواريخ الى دقيقة) وتصنيع (الطائرات المسيّرة) وتفعيل (جزئي لشبكات الدفاع الجويّ)، أنها منجزة منذ سنوات، وهذه صفعة لركن إسرائيلي مقابل هو الحديث عن المتابعة، فعن أية متابعة يتحدثون وهم غافلون عما يجري منذ سنوات، ثم بعد الصفعة يميناً وأختها يساراً، صفعة بقفا اليد ثالثة، أن الأميركي والإسرائيلي يعلمان ذلك، وهذا أحد مبرّرات الكشف عنه، اذن هو يفضحهم أنهم يكذبون، بمعادلاتهم، ومتابعاتهم وإعلاناتهم.
– في الاستراتيجية حسم السيد نصرالله مصير فرضية الحرب الإسرائيلية، فمقاومة تمتلك آلاف الصواريخ الدقيقة وآلاف المسيّرات وشبكات دفاع جويّ قابلة للتفعيل الكليّ، هي مقاومة خارج نطاق قدرة أية حرب إسرائيلية على النيل منها، بل إن الحرب هنا تصير قراراً إسرائيلياً بالانتحار، حيث يقدم رأس الكيان على طبق من ذهب للمقاومة، لكن ما لا يجب ان يغيب انه في السياسة، لن تكون تداعيات إعلانات السيد نصرالله أقل من وقعها في الاستراتيجية، ففي السياسة بنى الإسرائيليون خطاباً عسكرياً وسياسياً ملأوا فيه فراغ عجزهم عن خوض الحرب بمعادلة قوامها، تقديم الغارات على سورية كبديل قائم على تظهير خداع بصريّ عنوانه مواصلة استعراضات القوة كعلامة مزدوجة على التفوّق وامتلاك زمام المبادرة، تحت شعار أن هذه الغارات تمنع تعزيز ترسانة المقاومة بالمزيد من الأسلحة الكاسرة للتوازن، وهي مزيد من الصواريخ الدقيقة، ومزيد من الطائرات المسيّرة، وفرصة نقل شبكة دفاع جوي قابلة للتفعيل، وبالتالي القول إن لدى جيش الكيان خطة قيد التنفيذ للتهيئة للحرب عنوانها السير بخطى حثيثة لإضعاف قدرات المقاومة عبر البوابة السورية، وفجأة تجد قيادة الكيان أنها تفقد هذا النص كله، فالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة وشبكات الدفاع الجوي، ومنذ سنوات، لا تعتمد على العبور من سورية، ومعادلاتها منذ سنوات قائمة ومقيمة في لبنان، وأنتم تعرفون ذلك، فماذا عساكم تجدون عنواناً جاذباً لتبرير عراضات القوة بالغارات على سورية. وهل هذا كمين استراتيجي رسمه السيد نصرالله للهدف البديل الذي سيُجبر الإسرائيليين على اختياره لهذه الغارات، التي بقيت شكلاً وحيداً حصرياً يصعب الاستغناء عنه للنشاط العسكري الممكن لجيش الاحتلال، والتي يحتاجها الإسرائيليون ولا يستطيعون ترك الفراغ القاتل يخلفها، والتي لن تجد هدفا بديلا يبررها سوى فتح دفاتر الحديث عن توازنات جبهة الجولان؟ فهل سيأتي الإسرائيليون بأقدامهم الى طرح مستقبلها بديلاً، وقد أرسل لهم الإعلام الحربي إشارة رجال الثلج في المقاومة، كتعبير عن رمزيّة ثلاثية جبل الشيخ ومزارع شبعا والجولان، و«إسرائيل” قد وضعت بين يدي المقاومة هدية ذهبية بربط مصير الجولان ومزارع شبعا، وهم اليوم بين خياري وقف الغارات التي فقدت مبرراتها أو تصنيع هدف بديل لها، ويبدو كلام السيد نصرالله إعلاناً بأن المقاومة مستعدة لكليهما؟
– في المقلب الأميركي إصابة بالغة يوقعها السيد نصرالله بالأهداف الاستراتيجية التي بنيت على السعي لسقف ملكية المقاومة لعدد محدد من الصواريخ الدقيقة، وقد تعبوا في الماضي في الحديث عن سعي لوقف التصنيع، والسيد يأتيهم اليوم بمصطلح بديل هو التحويل، وقد اكتمل، وعن تصنيع آخر، ويكشف لهم محدودية رهانهم على لعبة المجتمع المدني والانتخابات ويتهمهم بمحاولة تأجيلها، ويستدعيهم للمضي في المنازلة الانتخابية، بالتوازي مع “لا” قوية لدعواتكم الملحة لاتصال مباشر، لكن ربما تصلكم الأجوبة مشفرة على ما كنتم ترغبون بطرحه على الطاولة في الاتصال المطلوب المرفوض، سقف للصواريخ مقابل عرض للترسيم مثلاً، فجاءكم الجواب انتهى الأمر والصواريخ الدقيقة باتت بالآلاف، فماذا عساكم تفعلون بينما في السياسة يسقط السيد نصرالله الخطاب الأميركي الموازي للخطاب الإسرائيلي، المبنيين معاً على سردية بناء قوة المقاومة عبر استجرار السلاح النوعي عبر سورية، حيث تتكامل الغارات الإسرائيلية تحت عنوان لا استقرار لسورية ما لم تتوقف عمليات نقل السلاح لحزب الله، مع الضغوط الأميركية لفرض بند مراقبة الحدود اللبنانية السورية كشرط لاستقرار سورية ولبنان؟ فيقول السيد إن لا وظيفة باقية للحدود مع سورية في سردية سلاح المقاومة، فما هو بديلكم؟ وهنا ربما يفتح للأميركيين أيضاً باباً خلفياً للتراجع إذا أحسنوا التقاطه كجواب افتراضي على الاتصال المطلوب المرفوض، وهو صرف النظر عن ربط استقرار سورية بنمو مقدرات المقاومة ومعادلة توزان الردع مع “إسرائيل”. فالأمر انتهى، وان انزلق الأميركيون الى اختراع هدف بديل للضغط في ملف الحدود اللبنانية السورية، ولم يقوموا بحذفها من أجندتهم ربما يذهبون بأقدامهم الى كمين لا مصلحة لهم بالمخاطرة في اكتشافه عبر الاصطفاف وراء الإسرائيلي في هدف جديد عنوانه الجولان، والطريق الذي فتحه السيد سالك، سقطت الأهداف كما في أفغانستان فسارعوا للرحيل من سورية.
– المقاومة التي تعلن أن زمام المبادرة العسكرية بات بيدها، تظهر عبر خطاب السيد أن المبادرة الاستراتيجية والمبادرة السياسية باتتا بيديها أيضاً.