المصالحة الفلسطينية: مصير اتفاق غزة!

حميدي العبدالله

تمّ التوصل إلى اتفاق في اجتماعات غزة بين حماس وفتح وفصائل أخرى على تنفيذ الاتفاقات الموقعة سابقاً والتي تنهي الانقسام الفلسطيني، وستكون الخطوة الأولى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن السؤال المهمّ المطروح: هل يجد هذا التفاهم الجديد سبيله إلى التنفيذ، أم يكون مصيره مصير التفاهمات السابقة فيخدم المرحلة كحملة علاقات عامة ثم يُرمى من جديد في أرشيف الاتفاقات الموقعة والمعلّق تنفيذها؟

لا شك في أن التفاهمات الجديدة فرضتها تطورات كثيرة، وطالما استمرّ تأثير هذه التطوّرات سيكون صعباً على أي من الطرفين التنصل من تنفيذه، إلاّ أن العقبات التي حالت سابقاً دون تنفيذ اتفاقات المصالحة لا تزال قائمة بقوة ولم يطرأ عليها أي تغيير، ومن أبرز هذه العقبات اثنتان:

الأولى، الموقف الأميركي «الإسرائيلي» من المصالحة، فقد جددت «تل أبيب» وواشنطن رفضهما المصالحة، وانسحبت «تل أبيب» من المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، وقررت وقف تسليم أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، ولوّحت واشنطن وبعض الحكومات الغربية بوقف المعونات التي تقدم إلى السلطة الفلسطينية. وبديهي أن مثل هذه الخطوات سوف تطيح بالسلطة أو تجعلها عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها إزاء سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وبديهي أيضاً أن الدول الخليجية، التي هي المصدر الوحيد المحتمل للتعويض عن أي عقوبات مالية تفرضها «إسرائيل» والولايات المتحدة، لن تجرؤ على تقديم أي دعم للسلطة الفلسطينية التزاماً بالسياسة الأميركية «الإسرائيلية»، فهل تستطيع السلطة الفلسطينية الصمود في وجه هذه الضغوط التي أكدت مرة أخرى أن الانقسام الفلسطيني مصلحة «إسرائيلية» بشكل مطلق؟

من الصعب في ضوء درجة اعتماد السلطة الفلسطينية على أموال الضرائب التي تمر بـ«إسرائيل»، والمعونات العربية والغربية، أن تنجح السلطة في إنهاء الانقسام والسير إلى النهاية في اتفاق المصالحة. الآن، يحاول رئيس السلطة تقديم بعض الإغراءات إلى الدول الغربية والكيان الصهيوني من خلال تأكيده على أن حكومة الوحدة الوطنية سوف تعترف بـ«إسرائيل»، وهدفه من إطلاق هذه التصريحات احتواء ردود الفعل «الإسرائيلية» والأميركية، لكن من الصعب أن تقبل «إسرائيل» بأقل من اعتراف علني صريح بها من قبل حركة حماس، فهل تجرؤ قيادة حماس على القيام بذلك؟

الثانية، المصالح المتعارضة التي يختزنها وجود سلطتين، الأولى في الضفة الغربية بقيادة فتح، والثانية في غزة بقيادة حماس، ولا يبدو أنه سيكون سهلاً لأي من الفريقين التخلّي عن الامتيازات التي توفرها لـه السلطة، إضافة إلى أن وجود هذه السلطة يعزز خياراته السياسية.

هاتان العقبتان ترجحان احتمال أن تبقى عملية المصالحة في إطار حملة العلاقات العامة، أو إدارة الانقسام الحاصل على نحو يأخذ في الاعتبار الظروف والمعطيات التي ساهمت في إحياء مسيرة المصالحة، ولا يبدو أن هذه المصالحة يمكن أن تنجح في إنهاء الانقسام بصورة نهائية من دون حصول تغييرات نوعية في توازن القوى على مستوى المنطقة بين منظومة المقاومة والممانعة، والتحالف «الإسرائيلي» الغربي وبعض دول المنطقة النافذة، أو اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة قادرة على إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية والإقليمية والدولية، وممارسة الضغوط على الأنظمة العربية ودفعها إلى تقديم الدعم المالي والسياسي الذي يمكّن السلطة الفلسطينية من الصمود في وجه الضغوط «الإسرائيلية» والغربية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى