حساب البيدر الأردني

بشّار شخاترة

بعد الخراب الكبير والدمار اللذين حلاّ بسورية من جراء العدوان عليها، وحصاد الميدان الذي يُبشر باندحار الموجة الصهيو- وهّابية، خرجت سورية من عنق الزجاجة وتجاوزت الأصعب من العدوان موحدة متماسكة، ولم تفرّط بثوابتها حينما كان الرصاص يطرق أبواب دمشق، وكان النخاسة يختلسون الليل برسائل من هنا وهناك لتقديم التنازلات بغية إسكات الهجمة، وبقيت سورية موحّدة خلف جيشها وقيادتها ترفض العروض المذلّة، معتبرة ذلك هرباً إلى الأمام.

في الأنباء أنّ ألوف الهاربين من المرتزقة فرّوا الى لبنان بعد معارك القلمون وهزيمتهم الساحقة فيه. هؤلاء هم المقابل اليوم لما سُمّي في الماضي بـ»الأفغان العرب» ممّن عادوا من أفغانستان بعد انتهاء الحرب الأولى فيها، وانفجار الظاهرة السلفية، وبزوغ نجم «القاعدة» التي قضّت مضاجع الأمن في البلاد العربية العائدين اليها. وبات لبنان أمام جنون «القاعدة»، والخيارات لا تزال مفتوحة على تطوّرات خطيرة لن تنفجر إلاّ بعد استحقاق الرئاسة اللبنانية إذا خرجت القوى الصهيو – وهّابية وحلفاؤها من القوى المسيحية المتصهينة أساساً بخفّي حنين.

الخيارات الأخرى هي إعادة تصدير هذا الجنون المتفجر إلى سورية مرة ثانية من البوابة التركية أو الأردنية، او أن يُعاد تصديره الى العراق، وأمام هذا وذاك ستندحر الهجمة ليعودوا من البوابات التي أتوا منها.

أقرب البوابات وأسهلها أمام المهزومين هي البوابة الأردنية، ذلك أنهم فقدوا الحاضنة الشعبية لهم بعد إجرامهم في سورية. نقول أقرب بوابة لهم الأردن مع وجود حواضن شعبية في مناطق متفرّقة لهم في الأردن، في مدن كالزرقاء ومعان وبعض المخيمات الفلسطينية، ما سيدفع بالضرورة بألوف الهاربين الى ملاذات أكثر أمناً وبيئات جديدة لم تختبر فظائعهم بعد ولا تزال مشوّشة ومسكونة بحالة دينية سلفية ملتبسة.

ما لا شك فيه أنّ السياسة الأردنية الحمقاء والتي بنت استراتيجيتها على محاولة إمساك العصا من المنتصف كذباً، والمنخرطة في العدوان على سورية فعلياً، قد انكشف عريها. وما الدخان الذي تثيره السياسة الأردنية حول دورها في سورية سوى غطاء لضعفها عن القيام بخطوة أكبر مما قامت به، ليس تكرّماً أو حياداً كما تدعي، فهي تعلم الثمن الذي كان يمكن أن يدفعه الأردن لو تحامقت الحكومة الأردنية وتورّطت على نحو مباشر عبر قواتها المسلحة في سورية ومحاولة التهويل بقدراتها العسكرية في خطوة من هذا القبيل عبر تنفيسات إعلامية في ما مضى تندرج في إطار ذرّ الرماد ومحاولة إثارة ستار من الضباب على عجزها.

ليس من باب الاستفزاز بل من باب الحرص على استقرار الأردن مع تزايد التهديد من القوى الصهيو – وهابية للأردن، ومع الرجحان الميداني للجيش العربي السوري الذي يتقدم في كلّ يوم، ستجد الحكومة الأردنية وأجهزتها الأمنية والعسكرية نفسها في مواجهة القاعدة الهاربة من لظى المعركة السورية تبحث عن مأمن، وعن حاضنة موجودة أصلاً رعتها الاستخبارات الأردنية على مدى ثلاث سنوات مضت وسهلت حركتها.

سياسة إدارة الدولة بالنهج الليبرالي لدولة شحيحة الموارد أصلاً ترك الأمر للمغامرين بمصير الأردن لاستجداء أموال الصدقة الخليجية في مقابل تنفيذ نزوات مجموعة من الأحافير البشرية المتحجرة يوشك أن يوقع الأردن في أزمة عنف قابلة للانفجار في أي لحظة، حال انسياح ألوف المقاتلين الفارّين من جبهات القتال في سورية الى الأردن.

مناوشات معان الدائرة حالياً قد تكون سبباً لإعلان مئات المجاهدين إن لم يكن الألوف نصرة إخوتهم في الأردن، علماً أنّ هناك ما يزيد على ألف مقاتل من الأردن وحده منخرطين في الحرب السورية، جالبين معهم «دواعش» الشيشان ونيجيريا وأخواتها، وهذا ليس تحليلاً بعيداً بالقدر الذي تتهيأ معطياته على الأرض، خاصة مع انحسار رقعة تواجدهم في سورية.

السؤال المطروح على الحكومة الأردنية: ما الذي هيأت نفسها له لمواجهة احتمال الخطر المقبل؟! فالانفجار الليبي أشعل النار في تونس والجزائر، ولم يكن الأردن بعيداً عن هذه النار، إذ ساهم الأردن في خوض معركة العدوان على ليبيا حتى طالت السفير الأردني في طرابلس، فما بالنا بالجار والشقيق الذي ساهمنا بإشعال النار في فنائه، ولا نريد أن يطولنا لظاها؟!

نظرية الأمن الأردنية الجديدة يفترض أن تبدأ من دمشق، وأن تكمل الدور السوري بحصار المجموعات الإرهابية والتضييق عليها والتعاون الفعلي قبل فوات الآوان، وقبل أن نجد ألوف المسلحين المدجّجين في أحياء إربد والزرقاء وعمان. ونذكر أن قدرة الدولة السورية أكبر من قدرات الأردن بكثير، ومع ذلك استطاعوا التسلل الى قلب المدن السورية ولم يخرجوا منها إلا بثمن باهظ لا نتمنّاه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى