في معنى الأول من آذار: عن القسم والقضية
} شادي بركات*
يحتفل السوريون القوميون الاجتماعيون بالأول من آذار من كلّ عام بمولد أنطون سعاده مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه، وفي هذا الاحتفال معنى الحياة وانبعاثها من تحت الرماد.
في الأول من آذار أقسم المؤسّس قسم الزعامة الذي وقف نفسه به على أمته، دون أن يكون شرطاً لقسم أحد، وبه تحوّلت الزعامة إلى معناها المؤسّسي والدستوري. يستحضر فينا كلّ آذار معنى التعاقد مع الزعيم وفق الدستور والمبادئ والغاية التي أقسم وأقسمنا عليها، قسمُنا الذي شكل العقد بين الشارع صاحب الدعوة والمُقبلين عليها. وهذا الالتزام الكلّي مفعم بالثقة واليقين اللذين تأسّست عليهما القضية السورية القومية الاجتماعية وشكّلا جوهر ارتباطنا، حيثُ لا مكان لخيانةٍ أو لنفوسٍ سقيمة وروحيّةٍ باليةٍ مُتهالكة غير مؤمنةٍ بنفسها وحقيقة وجودها، فلا تُبدع شيئاً ولا تسهبُ بالخير والعطاء لوطنها وأبناء أمّتها، بل تعمل على هدم الثقة بين المجموع، وتستأثرُ الحُبّ لذاتها مفضلةً الأنا الفردية على المجتمع، هذه النفوس العليلة لا تستحقُ إلا الازدراء والاحتقار.
نحتفل بالأول من آذار باعتباره يوماً تاريخياً للأمة السورية، ففيه وُلِدَ باعث النهضة المُحيية والقائد إلى المجد.
هو الزعيم الذي جاء من صميم الشعب السوري ومن حقيقته ليخطّ للأمة السورية طريق التفوّق والارتقاء لحياةٍ أجود في عالمٍ أجمل وقيمٍ أعلى. هو صاحب الدعوة إلى الوحدة القومية والتنظيم القومي الاجتماعي النّابذ للشقاق، تلك الدعوة الواعية والمطلقة إلى ترك الانقسامات المذهبية والملّية والعشائرية التي تفسّخ أمتنا روحياً فتستحيلُ الى أمم والوطنُ الواحد أوطاناً.
النهضة القومية الاجتماعية بُعثت للقضاء على البلبلة والتفسّخ والفوضى، ووجّهت الأمة نحو قضية حياتها ومصيرها ومطالبها العليا، وهي اليوم فاعلة تُصارعُ الأهوال وتُعيد انبعاثها في كلّ آذار، فلا يُعيق حركتها واهنٌ ولا يؤثر على سيرها مرتدٌّ، وهي بطبيعتها تلفظ كلّ الشوائب والدرائن. فالقضية السورية القوميّة وضعت حدّاً للفوضى السياسية والاجتماعية، وشكّلت حركة الأمة المُدركة وحدة مصالحها وحقيقة حياتها. فجعلت منا أمةً واحدة، ذات عقيدةٍ وإرادةٍ واحدة، بعد أن كُنّا مذاهب متنافرة، وشيعاً متنابذة، وطوائف متباعدة.
إنّ نهضتنا القومية الاجتماعية أرست استقلالنا النفسي والمادي، وفي هذا المعرض يقول سعاده:
«نحن لنا وحدة حياتنا في هذا الوطن الذي هو وطننا وتراثنا، ولنا مصالحنا التي لا نخلط بينها وبين مصالح الوحدات الأخرى، ولنا إرادتنا التي لا نقبل إرادة غيرها».
وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي مرّ ويمرّ بتجارب واختبارات، فهي رغم قسوتها، تُثبّت بُنيته وتؤكّد قوته وصلاحه وسلامة روحيته من المفاسد وصحّة عقيدته وصلابة مؤسساته وأبنائه، «وما خروج الحزب السوريّ القوميّ سليماً من هذه الاختبارات العظيمة والتجارب الشديدة سوى الدليل القاطع على قوّته التي لا تُغلب، وعلى جدارته بالبقاء وعلى تفوّقه في النزاع العنيف بينه وبين القوات العاملة على قتل الأمة في سبيل حياتها هي».
في هذا العالم الذي يشهد صراع مصالح الأمم من أجل البقاء لا مكان للأمم التي لم تدرك هويتها وتوحّد قواها، الأمم القوية بذاتها.
وفي الأول من آذار دعوة لنا لامتلاك القوتين النفسية والمادية، القوة الواعية المؤمنة بصحة العقيدة، حينها تصبح تلك القوة الفاعلة لا تقهر أمام مصالح الأمم الأخرى وفي سبيل تحقيق غاية وجودها.
وإذا كانت وحدة الأمة والوطن شرطاً لهذه القوة، فالتقسيم النفسي والجغرافي يشكّل عائقاً أساسياً أمام تولّدها. فحجم النزاعات والشقاق الداخلي وتعزيز التمايزات النفسية بين أفراد الأمة يهدف إلى تحويل الأمة الواحدة لجماعات متنافرة نفسياً فتضحى كلّ جماعةٍ أمة، وبالتالي يُقسم الوطن إلى أوطان على مساحة هذه الأمم المصطنعة وعلى مقياس الأجنبي والنوازع النفسية الملّية والعرقية التي أنشأها. ولطالما واجه شعبنا التقسيم الجغرافي بالبطولات والمعارك الحربية التي أثبت فيها قوّته وأصالته، غير أنّ التقسيم النفسيّ الذي يتغلغلُ في النفوس لا يمكن مواجهته إلا بمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي ونشرها لتكون البنيان الصلب الذي يصون الشعور القوميّ ويوحّد وجدان الأمة.
وهذا التقسيم النفسي والمادي نواجهه بمبادئنا القومية وهي واضحة المعالم والمفاهيم والتي جعلت منّا أمةً واحدة وتامة وربطت وحدة الأمة السورية وسلامتها بوحدة الوطن السوري والعكس صحيح، فلا سلامة لوحدة الوطن دون وحدة الأمة وقضيتها.
هذه المبادئ التأسيسية حدّدت مفهوم الأمة باعتبارها مجتمعاً واحداً موحّد المصالح والمصير… بهذه المبادئ وفعلها في النفس السورية وبدماء شهدائنا تكون مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة وبها نحفظ وحدة أمتنا ونسقط مشاريع التقسيم وأوهام صانعيها على امتداد الوطن، وبمبادئنا الأساسية والإصلاحية نؤسّس لحياة واحدة ودولة قوميّة ووطن قويّ يحفظ كرامة أبنائه ويشكّل البيئة التي تتفاعل وتنتج بها الأمة لتستعيد مكانها بين الأمم.
أيقن سعاده «أننا حزب عمل وصراع وقتال. حزب استقلال قومية هذا الشعب السوري. وسنواجه الأخطار المحدقة بالأمة بصراعنا مع الأخطار. إننا حركة صراعيّة. إننا نريد أن ننهض لتنظيم قومية الأمة، ونرفع الأمة من الانحطاط الذي رمتها فيه الحزبيات النفعية… إننا نثق من انتصارنا الخيّر، الانتصار الفاصل كما انتصرنا في الماضي، وسنحقق أهداف الأمة. وبهذا اليقين نهتف من أعماق قلوبنا».
وإحياؤنا للأول من آذار في كلّ عام مدادٌ لذاك اليقين، لنستكمل السير في طريق النهضة المباركة حتّى النصر.
ولتحي سورية.