هو الأوّل من آذار إشراقة الفجر الجديد
الأمين أسعد حردان
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
كان الأول من آذار قبل العام 1935 مجرد يوم عادي في حياة أنطون سعاده، حتى كانت في ذلك اليوم مبادرة مجموعة من الرفقاء الذي قصدوا مقرّ الزعامة في رأس بيروت حاملين معهم باقة من الورد ليعايدوا سعاده بعيد ميلاده الحادي والثلاثين.
لم يكسر حضرة الزعيم بخاطر رفقائه، لكنه ـ وكما هي عادته ـ أراد أن يحوّل المناسبة من شأن فردي إلى منصة انطلاق يحقق من خلالها انتصاراً للأمة السورية ولحزبها السوري القومي الاجتماعي.
في تلك اللحظة، أدّى سعاده ـ طائعاً مختاراً ـ قسم الزعامة الذي أصبح لاحقاً جزءاً من دستور الحزب، فوقف نفسه على أمته السورية ووطنه سورية عاملاً لحياتهما ورقيّهما.
لقد حوّل سعاده الأول من آذار من تاريخ لولادته هو إلى تاريخ لميلاد الفكر الجامع الذي يشكل جسر التلاقي بين أبناء الشعب السوري الواحد وقضيته الواحدة.
سعاده، بشخصيته الاستثنائية، تحوّل من «أنطون» الفرد إلى ذك الينبوع المتدفق والمتجدّد على الدوام، المنتج براعم وزهراً وثمراً وخيراً وعطاءً لا ينضب.
مع الأول من آذار صار للأمة السورية مفهوم واضح راق مبني على أسس علمية. وأضحى للحياة معنىً أسمى من مجرد عيش، وبات للربيع حكايات لا تعرف النهايات.
هو الأمل الذي يتحدّى عوامل اليأس، ليصنع فجراً يبدّد ظلمات التفسّخ والبلبلة، فتجسّد وعداً تحقق في نَبض أبناء النهضة، وترسّخ وعياً وإرادة وتصميماً وجهاداً وتضحيات، ارتقت إلى أعلى مستويات الشهادة راسمة لشعبنا طريق الفلاح والعزة والنصر، ممهّدة للأجيال القادمة تسلّم أمة منتصرة بكلّ ما تحويه الكلمة من معنى.
هو إشراقة فجر جديد امتدّ في مسيرة كفاح ومقاومة كلما حققت نصرا رأت أنّ سورية تستحقّ المزيد، فتابعت مسيرتها لتصل إلى قمة جديدة، فتراها سهلاً، لتبحث عن قمة أعلى من سابقاتها هي أهل للوصول إليها.
ولأننا أبناء مدرسة سعاده العظيم، نهتدي بفكره ونؤمن بمبادئه، فنحن طلبة وحدة دائماً. وحدة لحزبنا وشعبنا وبلادنا التي هي مصدر قوتنا. وسنبقى متمسكين بحقنا وحقيقتنا وهويتنا الحضارية التاريخية التي بدونها لن يكون لنا غد نقدّمه لأبنائنا.
أبناؤنا الذين يعانون اليوم في لبنان من انهيار اقتصادي كان نتيجة حتمية لنظام لم يجرؤ على التخلي عن الطائفية والمذهبية في كلّ تفصيل من تفاصيل حياته السياسية والاجتماعية.
حاولنا ـ ولا نزال ـ أن نحدث ثغرات في جدار ذلك النظام العفن بأن قدم الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر كتلته النيابية مشاريع قوانين تتضمّن إصلاحات اجتماعية وسياسية من قانون الأحوال الشخصية المدني الاختياري إلى قانون الانتخابات على أساس الدائرة الواحدة من خارج القيد الطائفي وعلى اعتماد النسبية.
كما طرحنا رؤيتنا القومية الاجتماعية للملف الاقتصادي، ودعوْنا دول الأمة السورية إلى إقامة مجلس تعاون مشرقي يشكل خطوة في اتجاه الوحدة القومية التي نضعها نصب أعيننا غاية.
تلك الوحدة التي تلاقينا مع دمشق على تحقيقها، فشكلت لنا ولكلّ مقاوم في الأمة السورية خير حاضن. فما كان من أعداء أمتنا على امتداد أصقاع الأرض إلا أن جمعوا كلّ زبانيتهم من مجموعات إرهابية وأتوا بها إلى أرض الشام ليضربوا العمود الفقري لنهج الصمود والمقاومة في أمتنا.
إلا أنّ الشام، وبفضل صمود تاريخي استثنائي حققه شعبنا وجيشنا القومي ـ جيش تشرين كتفا إلى كتف مع رفقائنا الأبطال نسور الزوبعة وكلّ من آمن بحقنا في الحياة والحرية، تمكّنت من دحر أعتى قوى الشر محافظة على موقعها القومي الثابت رغم كلّ الضغوط.
إلى عراقنا الذي شكل الظهير والعمق القومي لشامنا، فتكامل جيش أرض الرافدين والحشد الشعبي مع جيش تشرين في هزيمة ودحر الإرهاب الذي استهدف الأمة السورية بمعظم كيانتها.
وشكل هذا التكامل على المستويات كافة، لا سيما الاقتصادية منها، أنموذجاً يُحتذى في العمل القومي. فكان سبباً من أسباب إنقاذ لبنان ومدّه بشريان الحياة من بغداد إلى دمشق وصولا إلى بيروت.
وفي جنوبنا السوري ـ فلسطين حيث يخوض أهلنا في الأرض المحتلة مواجهات بطولية يومية مع عصابات الاحتلال. فيحقق المقاومون من أبناء أمتنا بطولات وصموداً وإنجازات. وقد أوصلوا المغتصبين من شذاذ الآفاق إلى قناعة بقرب انهيار كيانهم الغاصب وزواله عن أرضنا القومية.
ونصل إلى أردننا العزيز الذي يُصرّ أهلنا النشامى فيه على أنّ الكيان الغاصب سيبقى بالنسبة لنا عدواً وجودياً لا نتعامل معه إلا على هذا الأساس. نخوض ضدّه كلّ المعارك فنحرّر من دنسه «الباقورة والغمر»، ونرفض اتفاقيات الغاز والمياه معه لأنها ثرواتنا القومية التي يجب أن تبقى لنا هي وعائداتها المالية.
لهذه الأمة السورية كلها، لم يكن أنطون سعاده مجرد مؤسّس حزب فحسب، بل هو صاحب فكر وعقيدة، ورجل ثقافة وإبداع. آمنا به زعيماً وقائداً، وآمن بنا أمة عظيمة قوية هادية لكلّ الأمم.
في العيد الثامن عشر بعد المئة على ولادة الوعي القومي المقاوم في أمتنا بولادة سعاده، هو العهد الذي قطعناه على أنفسنا يوم انتمينا إلى صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، ألا نستكين حتى تحقيق وحدة هذه الأمة، وتحرير كلّ شبر محتلّ من أرضها، وحتى ينال الحرية التي يستحق كلّ أسير من أبنائها.
بهذا الإيمان نحن ما نحن، وبهذا الإيمان نحن ما سنكون، وبما نحن وبما سنكون، سيظلّ هتافنا في العالم يدوّي «لتحي سورية وليحي سعاده».