كفى مكابرة… رحم الله امرئ عرف حدّه ووقف عنده
} علي بدر الدين
على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وتطوّراتها، وجهل تداعياتها وماذا تخفيه، وهل ستشهد تصعيداً وتفجّراً في غير منطقة من العالم؟ أم أنّ الخشية من استمرار استعارها قد يقود الى حرب عالمية ثالثة لم يأت أوانها بعد؟ وبالتالي ما هو مدى وحجم انعكاسها على المنطقة العربية ولبنان من ضمنها، وهي حتماً ليست بمنأى عنها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لتداخل مصالح الدول المشاركة في هذه الحرب مباشرة أو غير مباشرة أو بالواسطة، وهي الموجودة فيها بقوة بكلّ هذه العناوين، طوعاً أو عنوة أو بحكم الأمر الواقع؟ وماذا عن المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية النووية في فيينا، والتي غيّبت الحرب الروسية الأوكرانية المستجدة الحديث عنها، وغاب معها ما كان مأمولاً منها من اتفاقات وتسويات كان متوقعاً حصولها، في وقت حدّد بعض المتابعين المتفائلين، موعداً لتصاعد الدخان الأبيض منها؟
العالم كله انساق إلى الحدث الروسي الأوكراني العسكري والدموي والتدميري، الذي أنتج انقساماً عمودياً وأفقياً واضحاً، بين مؤيد وداعم ورافض ومعارض، ومنحاز ومحايد، والى تورّط لبنان واستعجاله باتخاذ موقف غير مدروس من حرب الدولتين المتصارعتين، من خلال بيان أصدره وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب، استجلب ردود فعل متباينة، لأنه لم يكن موفقاً في توقيته ودلالاته والغاية منه، وقد نجحت الاتصالات واللقاءات التي أعقبته محلياً وخارجياً، وتحديداً مع سفير روسيا في بيروت من فرملة تداعياته، وكبح جماحه الذي كاد ان يوقعه في المهوار، وهنا يصحّ القول «الصمت حكمة».
الحمل الثقيل الذي أناخ ظهر لبنان جراء حسابات البعض الضيقة، وبحثه عن حفظ ماء وجهه «وتبييضه» أميركياً وأوروبياً، سرعان ما جرى نزع فتيله، وسحبه من التداول، ومن سوق عكاظ المزايدات والتحليلات والتوقعات لكثير من «المحللين» اللبنانيين الذين ينبتون كالفطر، مع كلّ حدث او أزمة تطرأ على خريطة العالم، والادّعاء بأنهم باحثون ومتخصّصون في الشؤون الأوكرانية والروسية، فيرسمون ما في مخيّلاتهم، أو ما تمّ تزويدهم به من مشغليهم مقابل أجر مادي أو معنوي أو سياسي، ومعظمهم من المنغمسين في اللعبة السياسية الداخلية مع أنهم لا يفقهون حتى ما يحصل داخل حدود الوطن، وهم مجموعة تابعة ومرتهنة تبيع وتشتري وتسوّق لهذا الفريق أو ذاك، وقد أثبتت عجزها وفشلها وقصر نظرها في كلّ أزمات وقضايا ومشكلات بلدها وشعبها، حتى أنها لم تكشف عن تفصيل مهما كان صغيراً، في كلّ الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية المتفاقمة، ولم تجرؤ على تسمية شخص فاسد واحد من المنظومة، ولا نجحت في استرداد حق ضائع، ولا في وقف الانهيارات المتتالية على كلّ المستويات، ولم تصب في «تحليلاتها» في أية قضية خاضت غمارها، وقد تحوّلت بفعل الزمن والفلتان الإعلامي إلى مجرد أبواق لهذه المنظومة التي لم تقدّم لشعبها سوى الكلام والوعود والأكاذيب، فكيف لهؤلاء المتنطحين أن يعرفوا مثلاً كيف وبماذا يفكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو غيره من قادة «الدول العظمى»؟
نصيحة لوجه الله لهؤلاء الأشاوس المنظرين والمدّعين أن يكفوا شرورهم عن الشعب، لأنّ «الذي فيه يكفيه»، وأن يعودوا إلى رشدهم، ويلعبوا على ساحاتهم وملاعب بلدهم، لأنّ الشعب تعوّد على حبال أكاذيبهم، ولم يعد يصدّق كلمة واحدة منهم او موقفاً واحداً، «لأنّ كلّ واحد منهم يغني على ليلاه» ومصلحته وأجندة من توسط له، ليظهر بصورته البهية على بعض الشاشات المحلية والعربية لـ «بخ» السمّ بالعسل.
من حقّ أيّ أحد من أن يدلي بدلوه، في اية قضية او موضوع، على قاعدة «حرية» الرأي والتعبير وهي مصانة، ولكن من غير المقبول من البعض أو من غيره أن يفلّت «ملق» التسويق والترويج والغش والتزوير والفساد، لأنه بذلك يساهم بإرادته أو من دونها بتأمين الحماية والغطاء والمبرّرات، لسلوكيات وممارسات المنظومة، من أيّ خطر أو سقوط يهدّد وجوده واستمراره في السلطة، التي أفسدت ونهبت وتحاصصت، وأفقرت شعبها وجوّعته وأذلته وحوّلته إلى متسوّل في الداخل والخارج، ينتظر المساعدات «الإنسانية» من هذه الدولة الصديقة أو الشقيقة، أو من منظمات المجتمع الدولي وصندوق وبنك نقده، وأغرقت دولته المحكومة من أكثر من ثلاثة عقود من طغمة فاسدة، وحماية مواقعها وثرواتها المكدّسة في مصارف الخارج، والتي نهبتها من خزينة الدولة ومن مال الشعب، ومنها أمواله المودَعة في المصارف اللبنانية.
كفى مكابرة ومتاجرة وتزويراً وتشويهاً للحقائق، وليعد كلّ منتفع ومتورّط ومضلل إلى حجمه الطبيعي، وإزالة الأقنعة التي يتستر بها، قبل فوات الأوان، لأنّ البلد كله على كفّ عفريت الانهيار والاحتضار والشعب «عايف التنكة»، و»رحم الله امرئٍ عرف حدّه ووقف عنده». اللهم اشهد أني بلّغت.