الرفيق الشاعر شريف درويش والأمين المناضل مصطفى درويش
كفرحونة التي اشتهر من رفقائنا فيها الراحلان الأمين مصطفى درويش وشقيقه الرفيق الشاعر شريف درويش هي من قرى لبنان التي عرفت الحزب منذ ثلاثينات القرن الماضي، وبقي فيها على مدى السنوات نابضاً بالحياة بفضل العدد الكبير من أبنائها الذين استمروا في الحزب، بعضهم بقي مصارعاً في الوطن، وبعضهم الآخر غادر الوطن بسبب الظروف المختلفة. إنما لم يبق حيث هو على إيمانه والتزامه، إلا النفر القليل منهم.
بداية الحزب في كفرحونة
نشأة الحزب في بلدة كفرحونة تحققت بفضل الرفيق شريف نعيم درويش في الفترة 1936-1937 عندما تعرّف الرفيق شريف على النهضة القومية الاجتماعية ثم انتمى إلى الحزب عضواً نظامياً في مديرية مشغرة، ذلك أنّ بلدة مشغرة كانت المكان الأقرب إلى كفرحونة، وكانت شهدت نمو الحزب بفضل الرفقاء الأوائل وليم أبو خليل، الياس حبوش، عبدالله محسن وغيرهم من الرعيل الأول الذي عرف الحزب مثالية ورسالة إلى المجتمع، فقد كان الأمين عبدالله محسن يقطع المسافة بين مشغرة وكفرحونة سيراً على الأقدام ليعطي حلقة إذاعية، ومساهماً في تأسيس فرع الحزب في البلدة.
بدوره كان الرفيق شريف يسير مسافة تزيد على الثلاث ساعات للوصول إلى مشغرة لحضور الاجتماعات الدورية بعد أن كان انتمى إلى الحزب، وقد بقي على هذه الحالة عدة سنوات إلى أن تمكن بفضل استيعابه الجيّد لعقيدة الحزب، وبما تميّز به من فضائل وأخلاق، من جعل العدد الجيد من أبناء بلدته ينتمون إلى الحزب.
تمّ ذلك مع بداية العام 1940 وصولاً إلى العام 1944 حيث تأسّست أول مديرية للحزب في كفرحونة من الرفقاء ديب حمد حرب، قاسم عبدو عجروش، عبد الرزاق كرّيم، سعيد أحمد الريشوني، لطيف خليل كريم، حسن إبراهيم زهنون، لطفي نعمة، حميد أسعد الريشوني، إبراهيم طالب عجروش، محمد علي محسن، مصطفى نعيم درويش (الأمين لاحقاً)، قاسم درويش، حسن درويش، منير عجروش، أحمد حسن كريم، خليل يوسف المعلولي وتولى الرفيق شريف درويش مسؤولية أول مدير لها.
ثمّ ما لبثت المديرية أن نمت، واستمرت نابضة بالحياة لا تؤثر فيها الملاحقات التي راحت تحصل بعد استشهاد سعاده، بل ان وقفة العز على شاطئ بيروت دفع بالكثيرين من أبناء كفرحونة إلى أن يأخذوا بتعاليم النهضة، فانتمى في الفترة 1952-1953 الرفقاء: محمد حسن الحبحاب، علي حسن الحبحاب، حسين حسن الحبحاب، عزت الحبحاب، فياض عجروش، فياض عجروش، مسلم عجروش.
صحيح أنّ رفقاء عديدين اضطرتهم ظروف النضال الحزبي، والأوضاع الاقتصادية، إلى مغادرة الوطن، منهم إلى ديترويت (الولايات المتحدة) ومنهم: الرفيقان شريف درويش وحاتم محسن إلى الأرجنتين، إلا أن النبتة التي زرعت في كفرحونة ظلت تنمو وتينع، فينتمي لاحقاً رفقاء عديدون نذكر منهم على سبيل المثال: جورج سلوم، يوسف الحداد، هاني درويش، سمير حداد، فوزي الشيخ، فوزي صوايا، أنطون الشيخ، أنطون بطرس صوايا، الياس لطف الله صوايا، عبدالله حرب، جهاد الحبحاب، نظام الحبحاب.
الرفيق الشاعر شريف درويش
لجميع رفقائنا في كفرحونة، الذين انتموا وناضلوا، والبعض منهم استشهد في سبيل إيمانه، التقدير والفخر، عسى نتمكن من الإضاءة على أفعالهم، خاصة الرفقاء الشهداء منهم. إنما في حلقتنا هذه نكتفي بالحديث عن الرفيق المؤسس للعمل الحزبي في كفرحونة الرفيق الشاعر شريف درويش، وعن الأمين المناضل والقدوة مصطفى درويش، الباقيين في وجدان رفقائهما في كفرحونة، وحيثما عملاً حزبياً، كما في تاريخ الحزب.
يقول الرفيق حاتم محسن عن رفيقه وصديقه الرفيق شريف درويش وقد عرفه جيداً في الأرجنتين، وفي الوطن، ما يلي:
«أكثر من مرة سألته عن دراسته فكان يقول لي «يا رفيق حاتم أنا درست في مدرسة الشيخ مرمر في الضيعة تحت الجوزة وتعلمت أصول الصرف والنحو والقراءة ومع الوقت صرت قومياً اجتماعياً».
عوّضت عليه النهضة خسارة العلم والدرس بالمدرسة، وتعلّم فيها ومنها الصدق مع نفسه ومع رفاقه ومع الآخرين وعرف معنى وجوده بالحياة وعرف أيضاً «أن الحياة كلها وقفة عزّ».
لقد كانت كل مواقفه وقفات عز وكبرياء وشموخ إاعلاء شأن القضية وشرح مبادئها ومفاهيمها وعقيدتها التي آمن بها، كما آمن بمحبة الأرض والإنسان حتى صار كافراً بالتقاليد البالية كالجهل والوهم.
كانت ثقافته العامة غزيرة أشبه بشلال متدفق من المعرفة، كثيراً ما كان يقضي معظم أوقات فراغه في المطالعة، كتباً حزبية أو أدبية أو تاريخية، كان يملك معرفة شمولية بشؤون وفلسفة الحياة، شاعر شعبي من الطراز الأول ترك الزجل والمديح والهجاء بعد دخوله صفوف الحزب وكرّس كلّ أبياته للحزب والقضية مواقف وخطباً ـ شعراً ونثراً ـ في المآتم والأفراح وجميع المناسبات الحزبية.
ويشرح الرفيق حاتم محسن عن الحضور المميّز للرفيق شريف فيقول:
«لم يكن يترك مناسبة حزبية أو اجتماعية من عرس أو مأتم إلاّ وتكون تلك المناسبات منطلقاً لشرح أراء الحزب وتعريفه للقضية ومبادئها ومفاهيمها ومراميها السامية النبيلة، طارحاً علاجها للأمراض الاجتماعية التي تتخبّط بها أمتنا. حقاً كان محلقاً في مجاله لأنه كان شاعراً مهجرياً من الطراز الأول، ترك شعر الزجل والغزل ونذر نفسه للقضية التي آمن بها، لم يكن له أعداء على المستوى الشخصي».
«كنت وما زلت أتمنى أن يكون في كلّ بلد وقرية من قرى أمتنا السورية مع اختلاف كياناتها، رفيق بوعي الرفيق شريف درويش اجتماعياً وعقائدياً ونظامياً ومناقبياً. كان يجسد النخبة المطلوبة التي تتحلى بالفضائل التي آمنا بها جميعاً، لرفع درجات التخلف عن مجتمعنا وامتنا».
لذا تولى الرفيق شريف أكثر من مرة مسؤولية مدير مديرية كفرحونة، وفي الأرجنتين تولى مسؤولية ناموس منفذيتها من العام 1952 لغاية العام 1957.
ويعدّد الرفيق محسن النقاط التالية من أفعال الرفيق شريف:
كان له الشأن الأبرز في انتماء الرفقاء في كفرحونة، بوضعهم في خط الصراع القومي والولاء للنهضة.
في الأرجنتين كان له نشاط ثقافي مع الأدباء والشعراء، كتب عدة مرات في «الجريدة السورية اللبنانية» في بيونس ايرس، وكان يتصدى دائماً لكلّ من يحاول أن يهاجم الحزب على صفحات الجرائد فيكيل له بما يستحق. شارك مع الرفيق الدكتور فيصل النفوري في عدة مداخلات وندوات سياسية لإبراز وجود الحزب وشرح نظرته للأوضاع السائدة، ومحاربته للصهيونية العالمية.
تاريخ وظروف وفاته
في نهاية العام 1979 وكان حضر الرفيق الدكتور فيصل النفوري إلى دمشق، فذهب الرفيق شريف للسلام عليه. عند إيابه حصل اصطدام في بلدة تعلبايا للسيارة التي كانت تقلّه، فنقل من قبل عناصر من «فتح» إلى مستشفى غزة في صبرا ـ الطريق الجديدة وفي اليوم التالي توفي لهبوط في القلب من جرّاء نزيف داخلي.
نبذة شخصية
ولد الرفيق شريف درويش عام 1919 في بلدة كفرحونة.
الأب نعيم
– الأم خيرية حبحاب.
اقترن اولاً من السيدة سلطانة حبحاب، وبسبب موقفها غير المؤيد للحزب، اضطر إلى الطلاق منها ثم اقترن ثانية في الأرجنتين من المواطنة عفيفة عباس التي انتمت لاحقاً إلى الحزب.
أنجب الرفيق شريف من زوجتيه كلاً من: نعيم، سعاده ونبيل الذي اقترن من ابنة عمه مصطفى وجميعهم أصدقاء للحزب.
الأمين مصطفى درويش
لم يقصر الأمين مصطفى نشاطه الحزبي على بلدته كفرحونة حيث كان له حضوره اللافت، إنما كان لمنفذية بيروت حصتها الكبرى من جهده التنظيمي والإذاعي، خاصة في مديرية المصيطبة التي عرفته أكثر من مرة مديراً ناجحاً لها، متميّزاً بأخلاقيته وعصاميته، وبوعيه العقائدي ـ النظامي، كما عرفته منفذية بيروت ناموساً لها فمنفذاً عاماً، كذلك مسؤولاً مالياً في لجنة الإسكان في الإدارة المدنية للحركة الوطنية في بيروت عام 1976، وهذه شهدت على مواقفه الصادقة والجريئة، ليس فقط دفاعاً عن الحزب إنما عن حقوق المواطنين.
عن الأمين مصطفى درويش يقول صديقه ورفيقه حاتم محسن:
«وصل في دراسته إلى المرحلة الثانوية أما ثقافته العامة فكانت معمّقة بجميع الأمور الحياتية وخاصة في الحزب، ترجم ذلك عبر مقالات عدة ودراسات نشرها أو ألقاها في مناسبات عدة. الحزب كان حياته الأولى والأخيرة. سعاده كان مثله الأعلى، منه انطلق وحلّق وإليه عاد. قام بواجبات حراسة سعاده في ضهور الشوير بعد عودته من اغترابه القسري، عام 1947. نُهب بيته العام 1958 ثم بناه بجد وجهد، ليبقى بيتاً للقوميين، غاب عن بيته وأهله عام 1962 ليعود مرفوع الرأس بعد فترة وجيزة، عمل مع الإدارة المدنية بلجنة الإسكان ولم يهتمّ بتوفير مسكن له فبقي مستأجراً. خطف من قبل قوى محلية وعاد بعد جهود شارك بها الحزب والمقرّبون، رفض الطائفية والطائفيين ولم يعترض على زواج أولاده من طوائف ومذاهب أخرى، رفض الانقسام الحزبي وعمل بكلّ جهد لوحدة الحزب وتوفي قبل تحقيق حلمه إثر أزمة قلبية حادة مساء 17/11/1996».
*
كانت لي علاقة وطيدة بالأمين مصطفى درويش لم يؤثر فيها ابتعادنا أحياناً في حمى الانشقاقات الحزبية البغيضة، فقد كنت أرتاح إليه، وبما يشعّ في أعماقه من فضائل النهضة، ووعي مراميها. لم يذهب في خلافه بالرأي إلى حدود الخصومة، إنما كان دائماً يسعى إلى وحدة الصف القومي الاجتماعي، يحاور باللين والتفهّم، ويحرص على أن يبقى الحزب واحداً موحداً قادراً على مواجهة الظروف المحيطة، ومتمكناً من بناء المستقبل بسوية عالية من إدراك غاية النهضة، ومسؤوليتها تجاه المجتمع السوري، ومستقبل أمتنا.
لذلك نحن نفتقد في بيروت أميناً من نوعية الأمين مصطفى درويش، ينضمّ إلى حيث يخلد سعاده ورفقاؤه المخلصون، ومنهم أمناء ورفقاء من بيروت نتذكرهم دائماً في كلّ مناسبة ونشعر أننا، برحيلهم، خسرنا مداميك وأنواراً مضيئة: أديب قدورة، عاصم الداعوق، ماجد الناطور، محمود الخالدي، ولسن مجدلاني، محي الدين كردية، ادمون حايك، محمد راشد اللاذقي، خليل محيو، إبراهيم صندقلي، عبد الرحمن بشناتي، زكريا لبابيدي، نقولا قباني، جوج بشور، ادوار توتنجي، نقولا فياض والعشرات العشرات غيرهم الباقين معنا وفينا، والمستمرين عبر الأجيال والأجيال ما دام فوق أرضنا شعب، وفي هذا الشعب حزب سوري قومي اجتماعي ينبض بالحياة.
*
الأمين الراحل محمود عبد الخالق كان عرف الأمين مصطفى درويش في نضاله الحزبي وأثناء توليه للمسؤوليات في الحزب، وفي الحركة الوطنية، له في الأمين مصطفى الشهادة التالية:
تعرّفت على الأمين مصطفى درويش في فترة ما بعد الثورة القومية الاجتماعية الثانية حيث كان من الرفقاء الناشطين، يعمل بإيمان صلب وثابت، وكان دائماً يحافظ على أسرار الحزب ويقوم بالمهمات الصعبة.
تعرّفت على عائلته القومية الاجتماعية التي تؤكد على إبرار الرفيق بقسمه، وأثناء الحرب اللبنانية كان الجندي المتطوعّ لأيّ عمل يكلّف به، حيث كان يتابع الجرحى ويبلسم جراحهم، ويساعد المنكوبين.
الرفيق مصطفى درويش هو مثال للقومي الاجتماعي.
نبذة شخصية
ولد الأمين مصطفى في كفرحونة عام 1923
الأب: نعيم
الأم: خيرية حبحاب
اقترن من السيدة راقية محمد حرب
وأنجب منها: الرفيقين هاني وعاصم والصديق فادي