الشيزوفرينيا والصيد في الفراغ!
} ابراهيم نشابة
في ظلّ هذا التخبّط النفسي المقنع بالمبادئ والعقائد، تشهد الساحة الإعلامية اللبنانية صراعاً فكرياً ايديولوجياً غير مسبوق في الوسط الحزبي والسياسي والاجتماعي. فما نعيشه في واقعنا المضطرب اليوم، يحاكي صورةً قديمة جديدة لعلاقاتنا وتاريخنا وتجمعنا في إطار جماعات متّسقة منسجمة تكاد تحمل نفس العقيدة وتحلق بروح اعتناقها الأخلاق الى السماء.
أما الحقيقة الفاضحة، هي في اقتحام المرض الأخلاقي للجسم الواحد الفاقد للمناعة الإنسانية والوطنية أو حتى للعقيدة الحزبية أو المؤسساتية.. لنرى كيف يغرق البعض أمامنا في الهوس الذاتي والشيزوفرينيا (اضطراب نفسي)! وهو يدّعي العفة والتحليق فوق كلّ الصغائر في سبيل الوحدة الروحية النفسية والوطنية النهضوية التغييرية..
الا أنه في حقيقة الواقع، لا يشكل الا إضافة لا معرفية للمصطلحات الإلغائية، ولكلّ مفاهيم التبعية والاستزلام وتحقير الـ «نحن» في سبيل الـ «أنا» المسجونة في الغرف الطائفية والمذهبية والزبائنية والشخصانية.
وهنا نطرح إشكالية الفرق بين المبدأ والإيمان به بالفعل، وليس بالقول. وبالتالي أهمية هذا الفعل في رقي الأمة ونهضتها.
من هذا المنطلق، كيف يمكن مقاربة هذه الفوضى القيمية والأخلاقية التي حوّلت المصطلحات الوطنية النهضوية الى مجرد وجهة نظر على قياس كلمات وعناوين تعكس التراجع في التفكير والثقافة والأسلوب الحضاري؟
جدلية القياس هذه التي نعيشها في هذا الزمان، يحاول الإنسان الفارغ جاهداً وضعها في مكانها الذي يشبه فكره وأطماعه وغاياته. لنرى المسلوب من هويته الوطنية والقومية يسعى جاهداً بأن يكون لديه قاعدة ترسم حقيقة وجوده في هذه الحياة، وهو من المنطلق العملي غير معترف به داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وبالتالي لا معنى له ولا لِما يتمسك به أفكار لاتخاذ قرارات أساسية أو حتى ثانوية! حيث لا معنى لفاقد الذات أن يكون صاحب مبدأ، وهو يعيش على التخبّط بين المبادئ والأشخاص، ومن أصحاب المنافع والسمسرات والصفقات.
وهنا تجدر الإشارة، الى أنّ الانتهازيين لا مكانة ولا مبدأ لهم، فهم ينتهزون أيّ فكرة ليستغلوها لصالحهم، «فيتركوا مبادئهم، بلا قيود نحو تحقيق مآربهم بكلّ الطرق المتاحة، ولا يتمتعون بالحدّ الأدنى بالصبغة الميكافيلية (الغاية تبرّر الوسيلة) فمهما كان نوعها ما دام أنها ستؤدّي إلى الغاية».
والتاريخ الحديث يشهد على ذلك، خاصة حين نراهم على وسائل الإعلام يبيعون ويشترون ويتاجرون بعقيدتهم ومبادئهم. وهم في الحقيقة أزلام أحزاب وسفارات ومرجعيات طائفية ومذهبية…
وبالتالي التاريخ لن يكتب الا لمن كان موجوداً ومشاركاً وفاعلاً في هذه الحياة.. ولا مكان للفراغ إلا بين الأسطر… وهنا تنتهي الكلمات…