هل يُحسن اللبنانيون الاختيار في 15 أيار؟
} علي بدر الدين
ليس بالضرورة أن تكون «الهجمة» على الترشح للانتخابات النيابية، وإعلان القوى السياسية عن أسماء مرشحيها قبل انتهاء المهلة المحدّدة للترشح في الساعة الثانية عشرة من ليل غد الثلاثاء في الخامس عشر من الشهر الحالي، أنّ إجراء الانتخابات بات محسوماً في الموعد المحدّد لها في الخامس عشر من أيار المقبل. ما يحصل هو عادي وطبيعي لمواكبة أيّ استحقاق انتخابي، في حال كان البلد يعيش الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والمالي والاجتماعي والغذائي والخدماتي، وليس بلداً منكوباً ومنهاراً ومفلساً، ودولته ومؤسّساته مصادرة أو معطلة أو ملحقة أو خاضعة لنهج المحاصصة وينخر الفساد بعضها، وتتحكم بمفاصلها وبكلّ تفصيل صغير فيها، منظومة سياسية وسلطوية مجرّبة ومخرّبة، وقد صدأ بعضها وتآكل بعضها الآخر، بفعل الزمن والممارسات والسلوكيات التي أنتجت أو ساهمت بإنتاج «مافيات» الاحتكار والجشع والطمع، عن قصد أو من دونه، لأنها تركت الحبل على غاربه، وأباحت الساحة لنموّ مثل هؤلاء الذين عاثوا في الوطن فساداً واحتكاراً ونهباً لأدنى حقوق الإنسان فيه، إما إهمالاً أو تواطؤاً أو شراكة أو حماية لهم، على أن تكون حصتهم في «الحفظ والصون»، ما أدّى إلى انهيارات متتالية، يدفع اللبنانيون ثمنها فقراً وتجويعاً وقهراً وذلاً ووجعاً وحرماناً كلياً من الخدمات، على مستوى كهرباء الدولة والمولدات التي تدّعي العجز والخسارة الناتجة عن ارتفاع أسعار مادة المازوت التي تشغّل محركاتها، أو بسبب قلته واحتكاره من تجار السوق السوداء المنتعشة، وقد بدأ أصحابها بقطع التيار الكهربائي عن المشتركين في كثير من المناطق والبلدات والأحياء، والأمور تتجه إلى تعميم العتمة الشاملة في المدى المنظور وإلى أفول عصر المولدات، وبدأ الكثير من العائلات ببيع أو رهن ما لديهم من مدخرات واحتياط الذهب لتأمين البديل بتركيب ألواح الطاقة الشمسية. كما نتج عن انقطاع الكهرباء، انقطاع مياه الشفة المقطوعة أصلاً، بحيث أنّ آلاف المشتركين في مصالح المياه في مختلف المناطق يشترون مياه الشرب والخدمة في «عز» الشتاء وبأسعار خيالية، ناهيك عن ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والخضار والفاكهة والدواء الذي لا يزال مفقوداً بفعل الاحتكار وغياب الدولة ومراقبتها وأجهزتها عن المسرح الدرامي جداً الذي يعيشه المواطن.
نعم، الانتخابات النيابية وغيرها من الاستحقاقات الدستورية هي مطلوبة وضرورية جداً ولازمة، لأنها حقّ من حقوق الشعب الذي يسعى إلى التجديد والتغيير وإبداء الرأي والاقتراع لاختيار الأفضل، ليمثله في السلطة التشريعية، أو في المجالس البلدية والاختيارية والنقابية وغيرها، ولكن هذه الانتخابات في لبنان، تتحوّل إلى كوابيس تقضّ مضاجع الناس، وإلى صراعات طائفية ومذهبية عالية السقف، وإلى نبش ملفات خلافية طواها الزمن، وإلى تحريك الغرائز والعصبيات الراكدة والمكبوتة لتوظيفها في زرع الأحقاد والتفرقة بين شرائح المجتمع اللبناني ومكوناته، ليس خدمة للبلد أو لشعبه، بل لمصالح انتخابية سلطوية، ولإعادة إنتاج طبقة سياسية ومالية فاسدة ومرتهنة وجشعة خرّبت البلاد وسرقت العباد وأفقرتهم وجوّعتهم وأذلّتهم.
الأنكى والأسوأ من هذا، أنّ المنظومة السياسية الحاكمة وغير الحاكمة، إنْ كانت في الموالاة أو المعارضة أو التي تضع «رِجلاً في البور وأخرى في الفلاحة»، كلها تتلاعب بأعصاب الناس وتحتال عليهم وتراهن على سكوتهم، وتطلق العنان لأبواقها لتفعل فعلها في تشويه صورة الانتخابات والتقليل من ضرورتها وأهميتها ودورها في إحداث الخرق والفرق المنشود، من خلال الترويج بأن القديم باقٍ على قدمه، وأن لا قدرة لأحد خارج الطبقة السياسية على إحداث أيّ تغيير، في أيّ موقع نيابي في أيّ منطقة، وأنه لا داعي للحماس الزائد من بعض الذين يحلمون بهذا التغيير البعيد المنال، أقله في انتخابات ٢.٢٢، فضلاً عن التسويق لتأجيل الانتخابات أو امكانية حصولها في الموعد المحدّد، بهدف تضييع الطاسة وإرباك المتحمّسين للاقتراع، ولإشغال الشعب بخبريات الانتخاب، ومن سيخسر في هذا المقعد النيابي ومن يفوز، ومن سيؤمّن كتلة نيابية وازنة لضرورات توظيفها سياسياً وانتخابياً في المرحلة المقبلة تحضيراً لاستحقاقات مقبلة.
المقدمات والمقبلات الانتخابية التي تمثلت بتقديم الترشيحات، وظهور بعض التحالفات الأولية أو النهائية، لا تعني أنّ الانتخابات حاصلة فعلاً، في موعدها، كما لا يلغي حصولها أيضاً. الخياران مطروحان ومحتملان، والرهان قائم على الوقت الطويل نسبياً لحسم هذا التأرجح الانتخابي، المرتبط أساساً بأحداث الداخل في مقدمتها صعوبة إيجاد التمويل المطلوب لزوم العملية الانتخابية، وأيضاً بتطورات الخارج وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبية الأميركية، وانعكاساتها على المنطقة ولبنان جزء متفجر منها ووضعه الاقتصادي والمالي على كفّ عفريت الرياح الآنية من بؤر الحرب والتوتر بسرعة قياسية، ومدى حجم وقوة ارتداداتها عليه، وهو المشلخ والمنهار الذي يسهل اقتلاعه والتأثير فيه، لأنّ السوس نخر جذوره، والفساد عرّاه وأصبح مكشوفاً ضعيفاً.
قرأت حديثاً، «انّ شعباً طيباً كان يعيش في مدينة، ولكن مشكلته تكمن في انه يصدق كل قول أو فعل لحكامه، وصدف أنّ في هذه المدينة حفرة كبيرة وخطيرة سقط فيها الكثير من الناس وتضرّروا منها، من دون أن تقدم سلطة المدينة على ردمها لتفادي خطرها عليهم، وقرّر البعض منهم، اختيار رجل حكيم يتمتع بسمعة طيبة، علّه يساعدهم، على إيجاد حلّ لهذه الحفرة وإنقاذ أهل المدينة منها، وذهبوا اليه ثم معه إلى الحفرة المشكو منها، وبعد تفكير عميق منه، قال لهم و»جدتها»، سألوه بدهشة، هل وجدت الحل؟ أجاب بغرور نعم، قالوا له كيف؟ قال: نطمر هذه الحفرة، ثم نحفر أخرى قرب مستشفى المدينة، حتى يسهل نقل الذين يقعون فيها اليها بسرعة وإنقاذهم، ما أثار سخط أهل المدينة وندمهم على اختيار هذا الرجل الغبي الذي حاول استغباء أهله».