العلم السوري… حكاية وطن لا يقبل القسمة
لورا محمود
مع بداية ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، ومع بداية ما سمّي بـ«الحراك الشعبي» في سورية، بدأ علم الاستعار الفرنسي ـ بدلاً من العلم السوري الحالي ـ يُرفع في التظاهرات المطالبة بالحرّية والمساواة والديمقراطية. بداية لم ينتبه أحد وقتذاك إلى العلم المرفوع ذي النجمات الثلاث، والذي كان معتمداً أيّام الاحتلال الفرنسي لسورية. وهذا طبعاً لم يكن محض صدفة، بل كان محض دراسة وتمعّن، بقصد تجزئة سورية طائفياً وسياسياً.
بعبارة «هذه المكوّنات غير متمازجة مع بعضها»، الجنرال الفرنسي هنري جوزيف أوجين غورو، قائد جيوش فرنسا في الشرق، بتقسيم سورية بحجة عدم انسجام المكوّنات الشعبية مع بعضها. فبعد دخول الفرنسيين إلى البلاد قاموا بإصدار عدد من المراسيم التي عرفت في ما بعد بـ«مراسيم التقسيم». وقد صدرت هذه المراسيم عن غورو في الفترة ما بين آب 1920 وآذار 1921، والذي دافع في الجمعية الوطنية الفرنسية عن فكرة التقسيم بحجة أنّ هناك تعدّداً طائفياً وعرقياً في البلاد.
إلا أنّ هذه المراسيم لقيت مقاومة شعبية من قبل الشارع السوري، بسبب غلبة الصبغة الطائفية على المشروع الذي أراد تقسيم سورية إلى عدة دول منها: دولة دمشق، دولة حلب، دولة جبل العلويين، دولة جبل الدروز، دولة لبنان الكبير ودولة هتاي أو لواء اسكندرون.
هذه النغمة التقسيمية عادت وبالنفَس الطائفي والتقسيمي نفسه، لتملأ شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي في بداية الأحداث في سورية. فما هي «الأعلام» التي مرّت على سورية منذ الاحتلال العثماني وصولاً إلى العلم الحالي بألوانه ونجمتيه.
تاريخ أعلام سورية
أوّلاً: علم الدولة العثمانية منذ عام 1844، إذ قامت الدولة العثمانية بضمّ سورية إليها عقب معركة مرج دابق عام 1516 والتي كانت قد فتحت الطريق لسيطرة العثمانيين على بلاد الشام. واستُخدم هذا العلم حتى تقدّم قوات «الثورة العربية» وانسحاب الحامية العثمانية من دمشق عام 1918، فرُفع علم «الثورة العربية» الذي يعتبر أول علم رُفع في دمشق بعد إنزال العلم العثماني، وذلك من قبل الأمير سعيد الجزائري الذي كان قد كلّف بإقامة حكومة موقّتة في البلاد ريثما تصل جيوش الأمير فيصل.
أما علم المملكة السورية فبقي مرفوعاً في دمشق حتى الثامن من آذار 1920، هو اليوم الذي أعلن فيه الاستقلال عن الدولة العثمانية وأقيم حفل في ساحة المرجة قبل وصول الأمير فيصل، إذ قام المحتشدون بالهتاف لسورية المستقلة. ولم يختلف علم المملكة المستقلة عن علم «الثورة العربية» إلا بالنجمة السباعية البيضاء التي أضيفت إلى المثلث الأحمر، إلا أن العلم لم يدم طويلاً، إذ إنه ألغي من قبل السلطات الفرنسية التي قامت باحتلال سورية عقب معركة ميسلون، والتي كانت مقدّمة لضمّ البلاد إلى الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية لما يزيد عن 12 سنة.
رُفع علم الاستعمار الفرنسي للمرّة الاولى في دمشق في 11 حزيران عام 1932، إلا أنه رفع سابقاً في حلب في 1 كانون الثاني عام 1932، واعتمد كعلم رسميّ للبلاد عندما نالت سورية استقلالها في 17 نيسان عام 1946. ويعتبر اللون الأخضر في العلم تمثيلاً للخلافة الرشيدة، أما الأبيض فيمثّل الدولة الأموية، والأسود يرمز إلى الدولة العباسية. أما النجوم الحمراء الثلاث فكانت في أصلها تمثل ثلاث مناطق في سورية هي: حلب ودمشق و دير الزور. وبعد ضمّ سنجق اللاذقية وجبل الدروز إلى سورية، تغيرت معاني النجوم الثلاث، إذ تمثل النجمة الأولى حلب ودمشق ودير الزور، والنجمة الثانية تمثل جبل الدروز، أما النجمة الثالثة فتمثل سنجق اللاذقية.
استُخدِم علم الاستقلال حتّى قيام الجمهورية العربية المتحدة، على إثر إعلان الوحدة بين سورية ومصر، إذ اعتُمد علم الجمهورية العربية المتحدة أو ما عُرف لاحقاً بـ«علم الوحدة»، و بقي مستخدماً حتى انهيار الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961.
العلم السوري الحالي
اعتُمد العلم الحالي ذو النجمتين للمرّة الأولى في عهد جمال عبد الناصر رئيس مصر والجمهورية العربية المتحدة، إذ استبدال علم الاستقلال في نيسان من العام 1958، إضافة إلى القوانين التي نصّت على تصميم العلم السوري في محاولة لخلق هوية عربية أكبر.
أخذ العلم الجديد ألوان الأحمر، والأبيض، والأسود من ألوان الوحدة العربية، واستُبدل لون النجوم الموجودة على العلم من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر في إحياء لذكرى الوحدة السورية ـ المصرية، وأصبحت النجمتان ترمزان إلى كل من سورية ومصر. إلا أنه، وبعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي السوري في عام 1963، وما عُرف لاحقاً باسم «ثورة الثامن من آذار»، قرّر مجلس قيادة الثورة اعتماد علم الوحدة كعلم رسميّ للبلاد، فظلّ العلم مستخدماً حتى عام 1972.
عام 1963، بدأت الحكومتان في سورية والعراق بإجراء المفاوضات مع مصر في محاولة لتشكيل اتحاد بين سورية ومصر والعراق. إلا أن كل الجهود فشلت، فاعتمدت سورية والعراق علماً جديداً لتمثيل الوحدة، لم يختلف هذا العلم كثيراً عن علم «الجمهورية العربية المتحدة»، إلا من حيث تغيير عدد النجوم من اثنتين إلى ثلاث نجوم أي مصر، وسورية والعراق، فضلاً عن أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية.
عام 1972، اعتمد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد العلم الجديد، إذ كانت سورية قد انضمت إلى اتحاد الجمهوريات العربية إلى جانب مصر وليبيا، واقتصر التغيير في العلم الجديد على استبدال النجوم الخضراء الثلاث بنسر قريش، كان النسر يمسك شريطاً مكتوب عليه «اتحاد الجمهوريات العربية». وعلى رغم هذا، ظلّت سورية تستخدم علم الاتحاد لثلاث سنوات أخرى حتى عام 1980، حيث أُلغي هذا العلم واستُبدل بعلم النجمتين الحالي من أجل إظهار حرص سورية على وحدة الصف العربي.
الجدير ذكره أن علم الاستعمار الفرنسي ظهر مع ظهور ما سمّي بـ«المعارضة السورية» المقيمة في الخارج وأشهرها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والمجلس الوطني السوري ، ولدى تشكيل ما سمّي بـ«الائتلاف الوطني السوري» في أواخر عام 2012، قام الأخير باتخاذ علم الاستعمار الفرنسي كعلم رسمي له، واتّخذه أيضاً كعلم لـ«الحكومة السورية الموقّتة» التابعة لـ«الائتلاف»… لماذا؟!