أمن الطاقة والتوجه الروسي شرقاً لإسقاط الأحادية الأميركية
} خضر رسلان
برز موضوع أمن الطاقة على الساحة الدولية مع زيادة التقدّم الاقتصادي في إطار ما يُعرف بالأمن غير التقليدي، وتأتي أهمية أمن الطاقة من كونه يمكن أن يولّد حروباً بين الدول التي تتنازع عليه.
والطاقة سلاح استراتيجي تزداد أهميته يوماً بعد يوم مما يعطي للدولة التي تمتلكه المزيد من القوة والنفوذ هذا خلافاً للدول التي تفتقده وتضطر في كثير من الأحيان إما الى محاباة الدول المصدرة للطاقة حتى تضمن توفير ما تحتاجه منها او أن تصبح دولة تابعة لها، فالطاقة عنصر أساسي لسياسات الدولة الخارجية التي بتوفرها تستطيع التحرك بقدر كبير من الاستقلالية.
وتحكم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية مجموعة من العوامل والاعتبارات من أبرزها العلاقة بين أمن الطاقة والعلاقات الروسية الغربية على اعتبار أنّ روسيا هي عملاق الطاقة الأكبر في العالم، وأنّ دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية هما أكبر مستوردي الطاقة على الكرة الأرضية يُضاف إليهم طلبات الصين المتصاعدة نتيجة للقوة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها، وأصبحت من القوى العظمى وأكبر الشركاء التجاريين لكلّ دول العالم.
روسيا والتحوّل شرقاً…
تشير بعض الدراسات الاستراتيجية إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية الروسية التي تتبنّى سياسة التدحرج نحو التخلي عن الغرب واتجاهها لخلق تحالفاتها الخاصة ونظامها الدولي الخاص بعيداً عن واشنطن وأوروبا، بحيث يصبح النظام الجديد المنشود هي المركز فيه وليست طرفاً. ولم تشر هذه الدراسات، الى الأسباب الحقيقية وراء الرغبة الروسية في مغادرة الغرب رغم وجود مصالح مشتركة بينها وبين الدول الغربية وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي التي تمثل أهمّ شريك اقتصادي واستراتيجي لموسكو إلى أنّ البعض يذهب الى انّ الاختلاف الثقافي هو السبب الرئيسي وهذا ما ينعكس اختلافاً في الرؤى في العديد من القضايا على الساحة الدولية هذا رغم انّ الاعتماد والترابط بين اقتصاد الطرفين قوي لدرجة تسمح بانهيار وتدمير الأوضاع الاقتصادية في موسكو أو في بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد كلياً على النفط والغاز الروسي.
وبعد تولي فلاديمير بوتين السلطة بدأ مفهوم القوى الغظمى التي تعتمد على مجال الطاقة في الظهور واتضح ذلك في الخطاب السياسي للحكومة، واستندت تلك السياسة إلى أنّ روسيا من أغنى وأكبر الدول المصدّرة للنفط والغاز الطبيعي وتسيطر على خطوط نقلهما وقد تحوّلت لدولة عظمى وقوة اقتصادية كبرى من خلال اعتمادها على الطاقة وتوظيف سياساتها في هذا الإطار، وعملت على التحكم والسيطرة على شبكات نقل الغاز والنفط في دول آسيا الوسطى والتي تمثل لأوروبا مصدراً هامّاً، ولمنع جعله بديلاً للطاقة الروسية مستقبلاً، ولتبقى هى المصدر الأول والأساسي لمصادر الطاقة، لذلك نجد إبرام مجموعة من الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع دول مثل كازاخستان وتركمانستان للتعاون بشأن استخراج مصادر الطاقة وتصديرها وبإتباع تلك الاستراتيجية استطاعت روسيا أن تحكم قبضتها على المصادر الطبيعية للطاقة وأن يكون لها موضع قدم في كلّ دولة تمتلك مورد هام للطاقة، وأصبحت تمتلك أكثر مما تمتلكه أميركا وأوروبا والصين مجتمعة، وأضحت شبكات خطوط أنابيب النفط مصدر قوة روسيا الاتحادية، لذلك تغيّر مفهوم أمن الطاقة بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للحكم ليهدف إلى تعظيم الاستخدام الكفؤ لمصادر الطاقة والتحكم التامّ للدولة فيها بعيداً عن القطاع الخاص والشركات الأجنبية، ومن جهة ثانية استناداً إلى ما سبق، يتضح أنّ أهداف السياسة الخارجية الروسية في مجال الطاقة وحماية مصالحها الاقتصادية مع الأهداف والمبادئ العامة للسياسة الخارجية لموسكو تتلخص في الآتي:
ـ استخدام الطاقة كسلاح استراتيجي تستطيع موسكو من خلاله أن تستعيد نفوذها.
ـ الحدّ من النفوذ والهيمنة الأميركية والعمل على تقييد العلاقات الأوروبية الأميركية.
ـ زيادة مجال تأثير السياسة الخارجية الروسية من خلال استخدام أوروبا الشرقية والفضاء الخاص بالاتحاد السوفياتي لاستعادة القوة السوفيتية السابقة.
ـ إبعاد النفوذ الغربي بكافة أشكاله عن مناطق النفوذ الروسي.
في الخلاصة يعبّر مفهوم توازن القوى عن الحالة الأميركية التي توجد عليها منذ تخطي روسيا أزمتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فأميركا لا ترغب في بروز قوى أخرى تكرّس عالم متعدّد الأقطاب لأنها تريد أن تظلّ القطب الوحيد واللاعب الرئيسي في الساحة الدولية، وعلاقات أمن الطاقة بينهما منحصرة في أوروبا بالأساس حيث أنه لا يوجد علاقات اقتصادية قوية بين روسيا وأميركا كما هو الحال بينها وبين أوروبا، ورغم ذلك نجد أن أميركا تحارب روسيا على أكثر من جبهة وفي كلّ مناطق العالم.
انّ روسيا عملاق في مجال الطاقة وهي تنتمي إلى المعسكرين الشرقي والغربي لذلك تحاول توازن علاقاتها في الجانبين، مع التركيز على الشرق، لما تجد فيه من فرص وأدوات تنمية اقتصادية واستراتيجية، بينما تربطها بالدول الأوروبية «الغربية» علاقات الطاقة فقط، أو بمعنى أدقّ علاقات تحت مظلة أكبر وهي أمن الطاقة، فبدون وجود أمن طاقة بينهما لأصبحت تلك العلاقات ضعيفة وهشة.
تتسم العلاقات الروسية الغربية بالشكوك وعدم الشفافية، وهي علاقة مصالح بالأساس، وتلك المصالح تتمحور في أمن إمدادات الطاقة بالنسبة لأوروبا، وأمن الصادرات وضمان نسبة محدّدة للتصدير بالنسبة لروسيا.
أن تتجه روسيا للشرق حتى تتفادى احتمالية تقليص دورها في سوق النفط أو خفض عدد مستهلكيها، وهي بالفعل بإمكانها فعل ذلك، خاصة أنّ أسواق دول القارة الآسيوية متعطشين لمصادر الطاقة وخاصة مع تحوّل دول آسيا لدول صناعية متقدّمة كالصين واليابان، هذا من شأنه بالضرورة أن يحقق لروسيا غاياتها المرجوّة…