الترسيم: عودة إلى الثوابت
– حسناً فعل الرؤساء الثلاثة بعقد لقاء بعبدا والخروج ببيان موحّد حول ملف ترسيم الحدود البحرية، لقطع الطريق على محاولات التلاعب الأميركية بالمواقف والمواقع، والإيحاء بتفاهمات تحت الطاولة للإيقاع بين الرئاسات، وإضعاف موقف لبنان التفاوضي وفرض رؤى وحلول تخدم المصالح الإسرائيلية. وهذا القلق ليس افتراضياً بدون سبب، فقد ظهر من التصريحات والتلميحات التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة أن هناك خطراً على المصالح الوطنية العليا في ثروات النفط والغاز، كما بدا في العرض الأميركي المعدل عن خط هوف الى خط مشابه مع فوارق جزئية، أن الأميركي يستهين بعناصر القوة اللبنانية، لاعتقاده بأن مفاعيل هذه القوة التي تمثلها المقاومة، ويقيم لها الإسرائيلي الف حساب، يتم هدرها في زواريب التناقضات اللبنانية السياسية، وفي مقدمها شقوق العلاقات الرئاسية.
– الموقف المختصر الذي تضمنه البيان الرئاسي مليء بالجمل المشفرة التي تعبر عن تقدم في الموقف الذي تلاقى عليه الرؤساء، فهو اشارة الى وجود “ملاحظات واستفسارات” حول عرض المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وليس قبولاً من حيث المبدأ كما كان يتوقع هوكشتاين، مع بعض الاستيضاحات، والملاحظات والاستفسارات تهدف لضمان “حقوق لبنان وسيادته الكاملة على حدوده البحرية”. وفكرة الحدود البحرية كانت مرفوضة في عرض هوكشتاين، ومن هنا الدعوة لمواصلة الجهود الأميركية لاستكمال المفاوضات ضمن اتفاق الاطار، الذي يدعو لترسيم حدودي، وليس لتقاسم مصالح، كما هو حال العرض الأميركي الأخير.
– الإشارة الأخيرة في ختام البيان الى ان الهدف هو حفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة رسالة كاملة بحد ذاتها. فالقضية ليست فقط مصالح اقتصادية، وليست فقط ثروات سيادية، وترسيماً حدودياً فقط، بل هي فوق كل ذلك مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة، أي الحفاظ على موازين قوى في مواجهة أطماع وعدوانية كيان الاحتلال، ومنع نشوب حرب. والأميركي يعرف كيف يقرأ ما بين السطور هنا، ولن تغيب هذه السطور عن القراءة الإسرائيلية بصفتها تذكيراً بوجود مقاومة تحمي، كي لا يكون هناك عبث وحماقة يؤديان الى زعزعة استقرار المنطقة.