أولى

ناتو شرق أوسطي في شرم الشيخ

 سعادة مصطفى أرشيد*

شهد الربع الأول من هذا العام متغيّرين مهمّين لهما أثر كبير على كلّ من النظام الدولي والنظام الإقلي مي، بتمثل الأثر على النظام الدولي في انهيار نظام القطب الواحد لصالح نظام دولي جديد متعدّد الأقطاب، وتراجعت وتكشفت مكانة وقدرة الولايات المتحدة اثر الأزمة الأوكرانية، مما جعل دولاً كباكستان تتحداها علانية وبقوة، فيما تخرج دول أخرى كالسعودية والإمارات عن الطاعة المطلقة لواشنطن، وان كان للطاعة النسبية حتى الآن، وتجلى ذلك بالاتصالات بين ولي العهد السعودي والرئيس الروسي وتنسيق سياسات نفطية، كما تجلى في سلوك الإمارات في مجلس الأمن الدولي وذلك في امتناعها عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وقد نستطيع الزيادة بالقول انّ «إسرائيل» والتي بقيت من الناحية الرسمية تحتفظ بخيوطها مع طرفي الأزمة الروسية ـ الأوكرانية وذلك بالضدّ من رغبة واشنطن، ولم تلق تل أبيب بالا للاستياء الأميركي .

أما اثر هذه المتغيّرات على النظام الإقليمي فعنوانه في فيينا والمفاوضات الدائرة هناك وما يجري من توافق وتفاهمات أصبحت قريبة من التوقيع النهائي بين إيران والغرب وتحديداً الولايات المتحدة التي تزداد مع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية حاجتها للإسراع في التوقيع على هذا الاتفاق، وهي التي كانت متعجّلة سابقاً للتفرّغ للصين وبحرها ولكن الحرب هذه زادت من متاعبها وأصبحت تحتاج للاتفاق من أجل ضبط السلوك الروسي انْ استطاعت إلى ذلك سبيلا…

ما تقدّم تدركه إيران وتدركه (إسرائيل) أيضاً، فإيران تتمطى بدلال لتحقق كلّ ما تريد، وهي مصرّة على ان يشمل الاتفاق الرفع الكامل وغير المقسط للحصار المفروض عليها والعقوبات كذلك، وهي تريد ضمانات بأن لا تستطيع أية إدارة أميركية قادمة ان تلغي الاتفاق متعظة من الدرس السابق حين وقعت اتفاقاً مع إدارة الرئيس الأسبق أوباما ولكن الرئيس ترامب قام بإلغائه، أما «إسرائيل» التي حاولت جاهدة تعطيل الاتفاق وفشلت بسبب تعارض ذلك مع رؤى الدولة العميقة في واشنطن، فلجأت إلى محاولات العرقلة ووضع العصي في دواليب الاتفاق وكان آخرها الإصرار على إبقاء الحرس الثوري الإيراني مدرجاً على قوائم الإرهاب .

قاد المتغيّران المهمان إلى حراك إقليمي واسع، انطلق من زيارة الرئيس (الإسرائيلي) إلى تركيا، محاولاً طيّ بعض الخلافات، وهادفاً إلى تنسيق سياسات الغاز معها عبر خط مشترك ولا يرى مانعاً من التوسط بين تركيا واليونان وقبرص اليونانية لإدخالهما في المشروع، ولكن الأهمّ بحث إمكانية إقامة ناتو شرق اوسطي تتزعّمه الدولتان ـ «إسرائيل» وتركيا، لمواجهه إيران التي ستخرج من حصارها وتتحرر من العقوبات المفروضة عليها، وتصبح قوية، منيعة ثرية هي ومحورها من جبال صعدة ومأرب انتهاء بغزة وما بينهما عند التوقيع على الاتفاق النووي .

على هامش ما تقدّم، وللعمل على الناتو الشرق أوسطي عقدت قمة شرم الشيخ أول أمس، واتسمت أول ما اتسمت بحرارة لغة الجسد بين أطرافها، الأصدقاء ـ الحلفاء الثلاثة، يبدو من خلال متابعه الصحافة (الإسرائيلية) التي تعطي أخباراً تتجاوز البيانات النمطية التي تعدّها الخارجية المصرية، أنّ هذه القمة قد عقدت بمعزل عن واشنطن، وأنّ الدول الثلاث تريد عمل هذا التحالف للدفاع المشترك عن مصالحها ـ مصالح حكامها في الحالة المصرية الإماراتية، وأنّ الأزمة الأوكرانية قد أشعرتهم أنهم لا يستطيعون الاعتماد تماماً على واشنطن، وفي تصريح للرئيس المصري انه يرى ضرورة الدفاع عن أمن الخليج الذي يقلقه وضعه الحالي، فيما هو عاجز عن الدفاع عن أمن مصر والتصدي لسد النهضة الإثيوبي، وعاجز عن الدفاع عن حدوده الغربية مع ليبيا، فيما لا يمارس أيّ سيادة حقيقية على سيناء، شريكه الإماراتي الذي تلقى ضربات اليمن مؤخراً، لم يجد حليفه وصديقه «الإسرائيلي» مستعداً للدفاع عنه بأكثر من إدانة صنعاء وبيعه بعض أجيال السلاح الخردة بأسعار عالية، أما نفتالي بينيت فلا يزال إمامه مواجهه مؤسسة الجيش القوية والتي ترى في الخروج عن الإرادة الأميركية أمراً متعجلاً ويفتقر للحكمة .

خلاصة القول انّ في خوف هؤلاء الشديد ما يؤكد ان محور المقاومة سوف يمتلك بالقريب من القوة ما يقضّ مضاجعهم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى