محاولات شيطنة روسيا غير ناجحة… ولا غنى للغرب عن وساطة الصين وإيران
} عمر عبد القادر غندور*
بعد أقلّ من شهر على الحملة الروسية على أوكرانيا واكتفاء الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي «الناتو» وفرض العقوبات القاسية جداً على موسكو حتى شملت الأثير بهدف الإضرار بها الى أقصى الحدود، بدأت بشيطنة الغزو الروسي واعتبار الرئيس بوتين «مجرماً» كما وصفه الرئيس جو بايدن، ومن ثم التشكيك بقدرة الجيش الروسي على بسط سيطرته على الأرض بفعل المقاومة الأوكرانية رغم تدمير بعض المدن الأوكرانية دون الدخول اليها، واستنفار الدول «الديمقراطية» لإرسال المتطوّعين والمشاركة في وجه القوات الغازية «المعتدية» على إحدى الدول الديمقراطية! بالإضافة الى تزويد الأوكرانيين بأحدث الأسلحة، وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن وجود مدخل سرّي لإيصال الإمدادات العسكرية الى أوكرانيا عبر الحدود البولندية، وانّ السلطات المحلية سمحت للصحافيين بمرافقة قافلة الأسلحة شرط إيقاف تشغيل تحديد الموقع الجغرافي في الكاميرات والأجهزة الالكترونية التي يحملونها، وانّ القافلة تتكوّن من شاحنات ومركبات تحمل المعدات العسكرية التي تعتمد طريقاً ترابية بعيدة عن المعابر الجمركية، والتوغل في مناطق زراعية، وانّ القافلة تضمّ 45 سيارة ومركبات إسعاف. ومع إغلاق المصانع الأوكرانية بسبب القصف الروسي تعتمد أوكرانيا بشكل متزايد على توريدات قادمة من أوروبا تحمل المساعدات والمولدات الكهربائية وأجهزة اللاسلكي والطائرات المسيّرة ومعدات الرؤية الليلية إضافة الى 7000 سترة واقية من الرصاص وضرورة تواصل القوافل بمعدل قافلة كلّ أربعة أيام.
مثل هذه التسريبات رغم أهميتها لا تبدو بريئة الأهداف وتترافق مع حملات إعلامية ضخمة تتنبّأ بفشل الغزو الروسي، بدليل ما قالته وكالة «أسوشيتد برس» انّ الهجوم على أوكرانيا يكاد يكون أول نزاع مسلح كبير في أوروبا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وفي وقت تعدّ الشاشة الصغيرة للهاتف الذكي هي أداة الاتصال المهيمنة.
وبدأت حرب أوكرانيا إعلامياً وستستمرّ بضراوة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل لكسب المؤيدين من جانب كلّ طرف.
وثمة رهان غربي على إمكانية الاستحواذ على الرأي العام العالمي من خلال تجنيد مستخدمي مواقع التواصل في اتجاهين: توثيق يوميات الحرب في داخل أوكرانيا وبثها على هذه المواقع والمساهمة في تداول الصور والمعلومات التي تدين الموقف الروسي على أوسع نطاق ممكن للاستفادة من الحصار الذي تمّ فرضه على وسائل الإعلام الروسية على المنصات الالكترونية الشهيرة ولاحظت وكالة «أسوشيتد برس» في تقرير لها انّ الرسائل ومقاطع الفيديو والصور التي يتمّ بثها عبر «تويتر» و»فيسبوك» و»انستغرام» تفوق عدد الغارات الجوية التي تمطر على أوكرانيا. وتسعى الدعاية الغربية الى مجموعة من الأهداف أبرزها شيطنة روسيا وخاصة الرئيس الروسي بوتين وتمّ تشبيهه بهتلر، وتقول انّ الرئيس بوتين وحّد الغرب ودفع «الناتو» الى تعزيز إنفاقه العسكري وجعل نفسه فتى الملصقات لجرائم الحرب، ولا يستطيع الانتصار ولا يمكنه أن يخسر؟
هذه البروباغندا الإعلامية لا تريح الرئيس الأوكراني الذي صرح بأنّ أمام روسيا فرصة وحيدة لإنقاذ نفسها من مغبة الغزو والمباشرة بمفاوضات سلام؟
مثل هذا الكلام، يعني انّ زيلينسكي غاضب من الدول الأوروبية وجناحها العسكري لامتناعهم عن المشاركة في الحرب وتركه وحيداً في مواجهة الجيش الروسي بكلّ أسلحته البرية والجوية والبحرية، وانّ المساعدات والقوافل وسيارات الإسعاف لا تكفي وحدها لصدّ الجيش الروسي، وانّ وصول 20 الف متطوع من 52 دولة صديقة لا يغيّر في المعادلة العسكرية شيئاً! ومن بين المتطوعين الذين وصلوا فعلاً الى الداخل الأوكراني ام لم يصلوا، مهندس الكومبيوتر ديمترو كوليبا المعروف بـ «والي» القادم من مونتريال بكندا والملقب بأخطر قناص في العالم والذي خدم في الوحدة الكندية الملكية والذي تعرفه الساحات في أفغانستان والعراق وسورية خاصة الذي كان يصطاد 40 شخصاً يومياً بالقتل، وفي إحدى المرات قتل شخصاً في سورية على بعد 3540 متراً عبر قناصته.
وتركز الحملات الإعلامية الغربية على فشل الحملة الروسية بدليل عجزها عن إخضاع الأوكرانيين، وانّ الجيش الروسي وقع في «مصيدة الاستنزاف» في الوقت الذي يغادر فيه سكان مدينة أوديسا «الأنيقة» كما يسمّونها لاحتوائها على الشوارع العريضة والفنادق الفخمة ودور الفنون والمسارح، وقد قلنا عنها في بيان سابق إنها درة أوكرانيا على البحر الأسود. وقول عمدتها ان المدينة التي يحاصرها الأسطول الروسي بدأ سكانها بمغادرتها عبر القطارات المزدحمة باتجاه مولدوفيا، وبسقوط المدينة لا محالة سيعزل أوكرانيا عن البحر الأسود الذي كان يشكل نافذة أوكرانيا الاقتصادية والسياسية على العالم…
وفي حين يركز الغرب على فشل الحملة الروسية عسكرياً ويمتنع عن نصرة أوكرانيا بالتدخل المباشر، يتغاضى عن التداعيات التي شكلها الغزو والعقوبات غير المسبوقة .
وتقول صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية ان محاولة الكرملين طرح قضية الأسلحة الكيمائية في مجلس الأمن بادّعاء انّ واشنطن وكييف، يراها كثيرون خدعة لصرف الأنظار عن ايّ استخدام مستقبلي لهذه الأسلحة من قبل روسيا !!
وحذر البنتاغون بالفعل من انّ بوتين قد يلجأ لاستخدام هذه الأسلحة بالمستقبل القريب.
ولعلّ من أخطر تداعيات الحرب، حالة الانكماش الاقتصادي في العواصم الأوروبية التي تبدو في حالة ترهّل، والخوف من اتساع رقعة الحرب وحاجتها الى الغذاء والغاز وارتفاع أسعار المحروقات.
وتقول صحيفة «الغارديان» اللندنية انّ أخطر صدمة نفطية منذ عقود اصبحت حقيقة واقعة منذ ان حاول الرئيس بايدن إقناع السعودية والإمارات العربية زيادة إنتاج النفط لممارسة أقصى قدر من الضغوط الاقتصادية على روسيا، ولم ينجح حتى الآن.
ويحاول كثير من المعلقين ان يربطوا تداعيات الحرب بملف المفاوضات النووية في فيينا؟ وقد يكون ذلك ممكنا ولمعالجة مستقبلية للازمة العالمية للنفط والغاز، ولا نعتقد انّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكما أثبتت على مدى أربعة عقود أنها لا تساوم على حقوقها الوطنية ولا تغدر بأصدقائها.
ولعلّ من يقول انّ الرئيس بوتين إذا عزم على مواصلة حربه على أوكرانيا وتحقيق أهدافه المعلنة، فإنّ الشخص الوحيد الذي يجعله يعدّل في خطواته هو الرئيس الصيني شي جينغ وربما بمساعدة الرئيس الإيراني رئيسي.