سورية… «العودة»
} روزانا رمّال
هو قرار نهائي اتخذته دول الخليج منذ أشهر ما قبل انطلاق المباحثات النووية وما قبل الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وقد تعزز بقدوم الإدارة الديمقراطية لجو بايدن، والقرار يتمثل بإعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي كان مستحيلاً مع اندلاع ثورات «الربيع العربي». وفي معلومات دبلوماسية خاصة لـ «البناء» تشاور المسؤولون الخليجيون المعنيون مع الإدارة الأميركية في ما يشبه «الإخبار» بالقرار من دون ان ترحّب واشنطن بالفكرة لكنها لم تقف بوجهها، فيما بدا ضوءاً «أصفر». وفي هذا المزيد من الدلائل التي أكدت ضبابية العلاقة بين الإدارة الأميركية الحالية ودول الخليج، والمعلومات هذه كانت قبل توجه وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد الى دمشق لدعوة الرئيس السوري لزيارة بلاده، حتى وقعت الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتوضح التباعد في المواقف أكثر وثبات الموقف الإماراتي ـ السعودي من الأزمة.
وعلى انّ الإمارات العربية المتحدة أتت كأول الزيارات اللافتة للرئيس السوري على المستوى العربي والتي تحمل دلالات عديدة توقيتاً وتصنيفاً، حجزت أبو ظبي أول مقاعد التسوية الإقليمية بـ «ضربة معلم» وتحديداً ما تحمله الأزمة اليمنية، فيما كشفت الخطوة عن تمهيد لمصالحة سعودية ـ سورية محتومة لم يتوانَ عن التلميح إليها ولي العهد محمد بن سلمان في أكثر من تصريح صحافي حيال الاعتراف بالتعامل مع الرئيس السوري.
كلّ هذا يجعل من الحديث عن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية تحصيلاً حاصلاً، فهي الجامعة القائمة اليوم على الثقل الخليجي بقراراتها والرياض وأبو ظبي تصبحان العامل الأكثر تأثيراً لتبقى العقبة القطرية الأميركية والتي تعتبر جزءاً من التحدي الذي بدأت تشابكاته تدخل مع تقاطعات الحرب الروسية ـ الأوكرانية، حيث يبدو الموقف القطري أقرب إلى الأميركيين منه الى الخليج ما يضع أسئلة جدية أمام عودة سورية إلى جامعة الدول العربية في دورتها المقبلة في الجزائر ام لا، والعقبة بهذا الإطار لا تتمثل بقطر التي استطاع مجلس التعاون الخليجي تخطيها وعزلها في مرحلة سابقة لأكثر من سنتين، بل تتعلق بثبات الموقف الخليجي بوجه الأميركيين وقدرة الحشد لإجماع عربي حول عودة سورية تتخطى الموافقة الأميركية.
المواقف التي تتخذها السعودية اليوم ومعها الإمارات باتجاه الحرب القائمة في أوكرانيا تلفت النظر الى ولادة مرحلة جديدة من العلاقات مع واشنطن وتطرح أسئلة تتعلق باستراتيجية العلاقة مع الإدارة الديمقراطية الحالية بمواجهة استراتيجية العلاقة مع موسكو، ولا يغيب عن هذا الخيار بالحالتين موقف موسكو من تصنيف الحوثي إرهاباً! وهو الأمر الذي يعتبر موقفاً مؤسساً لثوابت استدامة العلاقة إضافة الى مصالح كبرى في النفط والسلاح وغيرها مما يؤسّس لخطط رؤيوية طويلة الأمد.
سورية التي تعتبر الحليف الأول لروسيا في المنطقة صبّت الظروف اليوم بعد الحرب الأوكرانية في صالحها، فالخرب عززت التوافق الخليجي على وجوب مساندة روسيا فيها ما أضاف عاملاً لتسريع عودة سورية للساحة السياسية الإقليمية والدولية وليس فقط العودة الى الجامعة العربية التي لا تعتبر الرجاء الأكثر إنتاجية وفعالية لحضورها بالقدر الذي تؤسّس إليه تثبيتها عضواً فاعلاً ضمن شبكة تعاون هي أقرب الى حلف اقتصادي بدأ يبصر النور تنضمّ اليه الصين بكلّ ثقلها ووزنها.
عودة سورية الى الساحة الإقليمية والدولية أيضاً وبما تفرضه الجغرافيا السياسية للدول هي عودة الى الحضور السياسي في الساحة اللبنانية حتما… على أنّ هذا الأمر لا يعني عودتها العسكرية إنما يعني التعامل مع مرحلة سياسية تنتفي فيها ولادة حكم رئاسي او حكومي معارض للقيادة السورية في لبنان، الأمر الذي يتعزز أكثر عند إتمام المصالحة السعودية ـ السورية التي تتحدث المصادر عن قربها تماشياً مع السياق العام للأحداث، فيما أغلب الظن انّ النفوذ السوري قد صرف حكماً للحليف الأول حزب الله الذي يشكل مادة خلافية أساسية عند الأميركيين، فإنّ هذا لوحده يفتح مجالاً للسؤال عما إذا كان التفاهم النووي الإيراني سيرخي بتداعيات إيجابية على حلفاء إيران عموماً ومنهم حزب الله الذي يعاني من فرملة اندفاعاته الحكومية في عدة مراحل وهو الشرط الأساسي للدول الخليجية للتعاطي مع حكومات لبنان والاعتراف بشرعيتها.