الفشل الأميركي… وسقوط المعارضة من الحسابات السورية

جمال العفلق

تهتم الدوائر الأميركية اليوم، وعلى كلّ المستويات بتحليل السياسة الخارجية وفشل واشنطن في وضع خطة لحرب قرّرتها لكنها لم تضع برنامجاً زمنياً يحدّد متى تنتهي. ويشير التقرير الأسبوعي لمركز الأبحاث الأميركية إلى هذا الفشل من خلال الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين واتساع الهوة بينهما، وخصوصاً حول الملفات العالقة في سورية والعراق والملف النووي الإيراني، حيث ناشد المجلس الأميركي للسياسة الخارجية الكونغرس التدخل لمنع اتفاق إيراني أميركي وشيك.

يشكل اتفاق واشنطن مع طهران حول برنامجها النووي، صلب القضية الأمنية في الشرق الأوسط، ويرى المغالون في أميركا أنّ منع إيران من إنجاز برنامج نووي سلمي يحقق لهم الأمن والاستقرار، ويكشف عداء هؤلاء لإيران وسورية والعراق مدى سيطرة الحركة الصهيونية و«إسرائيل» على خط سير الإدارة الأميركية في تقرير علاقاتها الخارجية، وخصوصاً الدول القريبة من فلسطين المحتلة، حيث تدار معارك فرض الاستيطان وتوسيع المستوطنات على حساب الأراضي العربية.

وكشف التقرير المذكور مدى اعتماد الإدارة الأميركية على اللاعبين الخليجين وتركيا، وأقرّ بأنّ الإدارة الأميركية وثقت بهؤلاء الذين لم تكن حساباتهم دقيقة بقدرة السوريين على الصمود مع بداية العام الخامس للحرب على سورية، حيث اكتشف الأميركيون متأخرين أنّ الجماعات الإرهابية ليست بالقوة التي تمكنها من تنفيذ مخطط تقسيم سورية، كما يجب، أن يكون رغم أنّ هذه الجماعات مارست كلّ أنواع القتل والدموية في هذه الحرب.

إنّ ما وصفه التقرير الأميركي بـ«المجموعات الجهادية» هو في حقيقة الأمر أطياف المعارضة السورية، حيث أنّ سورية تفتقر إلى معارضة سياسية مستقلة عن الأجندات الخارجية، تحمل الهمّ وطني لا مصالح الآخرين. وبذلك تكون الولايات المتحده قد أقرت بأنّ من يقاتلون في سورية ليسوا كما يرغب الإعلام في وصفهم «معارضة» أو «جيش»، إنما جماعات تكفيرية تعمل لحساب الخليج وتركيا، وما زالت هذه الدول حتى اليوم تدفع باتجاه تأجيج الحرب على الشعب السوري ومحاولة الاستفادة من كلّ رصاصة لقتل السوريين، وما عملية التفجير التي وقعت في تجمع للأكراد وأودت بحياة أكثر من مائة شخص، إلا إحدى عمليات القتل التي تمارسها تركيا.

وما يعزّز سقوط المعارضة السورية من الحسابات الرسمية والشعبية رفض ما يسمى ائتلاف الدوحة المشاركة في مؤتمر «موسكو 2» فهذا الائتلاف لا يملك ورقة تفاوض تمكنه من كسب النقاط أو إحراز أي تقدم على الصعيد السياسي، وهذا القرار ليس بقرار مستقل اتخذه بمفرده، إنما هو انعكاس لرغبة مشغليه الذين يبحثون عن نقاط على الأرض تمكنهم من التفاوض، فالخسائر المستمرة للمجموعات الإرهابية وسقوط مراكز استراتيجية وحيوية في يد الجيش السوري والمقاومة دفع بالمشغلين إلى قطع كلّ وسائل الاتصال والتواصل من أجل الحوار واختاروا الخط الثاني الذي يسمح لهم بإطالة القتال والدفع بـ«المجاهدين» نحو حتفهم لعلهم يحققون لهم أي ورقة ضغط من خلال أي نجاح عسكري على الأرض، وما اصطدمت به الإدارة الأميركية وأدى إلى اعترفها بصمود سوري يجب التوقف عنده طويلاً، هذا الصمود الذي لم يفهمه بعد حلفاء أميركا لأنّ حربهم تدار من خلال أحقاد دفينة، لا من خلال استراتيجية وهدف.

تناور «المعارضة السورية» اليوم على وعود «إسرائيلية» أعطاها لها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من خلال ارتفاع بعض الأصوات «الإسرائيلية» بالمشاركة في شكل مباشر في الحرب لإنشاء منطقة آمنة تكون مركزاً لتجمع للمجموعات الإرهابية حول العاصمة دمشق. وفي خطوة طبيعية لمن ينتمي إلى الائتلاف، أُعلن عن رسائل تهنئة تلقاها نتنياهو بمناسبة فوزه في الانتخابات الأخيرة، وهذه الخطوة ليست الأولى لأطياف المعارضة الممولة خليجياً ولن تكون الأخيرة، إن بقيت تتلقى التمويل اللازم للعمل. فما تقدمه «إسرائيل» من خدمات للعصابات الإرهابية لا يقل أهمية عن المال السعودي الذي يضخّ لتسعير الحرب على سورية.

كلّ هذا لا يسقط المعارضة ورموزها من الحسابات السياسية فقط، بل من وجدان السوريين الذين لم يجدوا في هذه الأسماء يوماً، إلا خناجر غدر تطعن فيهم وفي وطنهم، في وقت تدّعي فيه هذه المعارضة أنها تمثل الشعب السوري الذي لا يعترف بوجودها ولا بدورها، إلا ذلك الدور الذي يسبّب الخراب للبلاد .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى