«اجتماع» النقب… نواة جديدة لـ «تحالف عربي إسرائيلي» ضدّ إيران!
} د. حسن مرهج
بداية لا بدّ من القول وبشكل مؤسف، بأنّ العرب الذين حضروا اجتماع النقب، بإدارة وزير الخارجية “الإسرائيلي” يائير لابيد؛ لم يحضروا الاجتماع لعرض عضلاتهم في وجه “إسرائيل”، فهم بشكل أو بآخر، ذاهبون لتقديم فروض الطاعة، وتجاهل القضايا العربية الشائكة والمعقدة. فالحدث التاريخي بمكانه وتوقيته، هو استعراض للقدرة “الإسرائيلية” على جذب المطبّعين، ووضعهم في أطر الرغبات “الإسرائيلية”، التي تُحيك المزيد من الخطط، ضدّ القضايا العربية.
فبعد بضعة أيام فقط من القمة الثلاثية بين بينيت والسيسي وابن زايد في شرم الشيخ، جاء اجتماع النقب، ضمن سياقات ستكون بها، لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، فرصة لإعادة تنظيم العلاقات العكرة مع الإمارات ومصر، وبذات الإطار، فإنّ الولايات المتحدة لن تنسى رفع عصا حقوق الإنسان، بوجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وستكون هذه القمة أيضاً، فرصة لتأكيد اتفاقات التعاون العسكري الجديدة مع المغرب، والتي سيمثلها في قمة القدس وزير الخارجية ناصر بوريطة، كما ستكون فرصة لإبهار جمهور المشاهدين من كلّ أرجاء العالم بالحلف الوثيق بين الإمارات و”إسرائيل”، التي تمثل على الورق السعودية أيضاً.
وعندما نذكر السعودية، فإننا بكلّ تأكيد سنذكر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتصريحاته التي تُمهّد وبشكل غير مباشر، لاتفاق تطبيع صريح وواضح مع “إسرائيل”، خاصة أنّ الأخير قالها صراحة، بأنه إذا ما توصلت “إسرائيل” إلى حلّ للمشكلة الفلسطينية، فلا مشكلة للسعودية للانضمام إلى المسيرة السياسية مع “إسرائيل”.
في العمق، فإنّ اجتماع النقب، سيحمل في طيات ملفاته، بحث الملف النووي الإيراني، خاصة أنّ “إسرائيل” أوضحت، بأنه إذا ما تحقق اتفاق بالفعل، فإنها ستتخذ إجراءات ضدّ إيران، ودون التنسيق مع الأميركيين في هذا الإطار، وبنظرة موضوعية، وبصرف النظر عن مساعي تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض، أو طهران وأبو ظبي، لكن الواضح أنّ القمة وبعنوانها العريض، ستكون نواة لوضع ما يُمكن تسميته، بحجر الأساس لـ “حلف عربي إسرائيلي” ضدّ إيران، وربط الجهود العربية و”الإسرائيلية”، لوضع حدّ للسياسات الإيرانية، سواء في سورية أو اليمن وكذا العراق.
القلق “الإسرائيلي” يبدو واضحاً من مسار مفاوضات فيينا، وهي تعمل وفق وتيرة متسارعة، للضغط على الولايات المتحدة أولاً لتحييدها عن توقيع الاتفاق النووي، كما أنها وفي سياق مختلف، تُهندس علاقات وتنسج اصطفافات جديدة، ستكون ضمن أطر التصدي لإيران، فـ “إسرائيل” أولاً ومعها الدول الخليجية ثانياً، لديهم هواجس من الدور الإقليمي المؤثر والفاعل لإيران، وتوقيع الاتفاق النووي، يعني ومن وجهة النظر “الإسرائيلية”، اعتراف أميركي وغربي واضح، بقدرة إيران على تطويع الغرب والأميركيين، في سياق رغباتها وسياساتها، الأمر الذي تقرأه “إسرائيل”، على أنه تهديد حقيقي، لا بدّ من العمل على مواجهته.
في جانب أخر، فإنّ النوايا الأميركية المرافقة لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، تعمل على رفع الحرس الثوري الإيراني، من قائمة العقوبات الأميركية، وبذات الإطار، فإنّ واشنطن تستعدّ لرفع العقوبات عن طهران، الأمر الذي سيسمح لإيران، بحرية الحركة إقليمياً ودولياً، لكن هذه المخرجات لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، تثير قلق “الإسرائيليين”، وتضعهم أمام مواجهة حقيقية مع إيران وحلفائها في المنطقة، فالعين “الإسرائيلية” باتت متشظية في جبهات عديدة، تراقب حلفاء إيران، لكنها عاجزة عن الردّ بشكل مباشر، الأمر الذي يترجم ولو بشكل جزئي، توقيت اجتماع النقب.
وبشكل واضح يُعدّ اجتماع النقب نواة لتشكيل “حلف عربي إسرائيلي” ضدّ إيران، كما أنه اجتماع لا يخلو من محاولات تمزيق العالم العربي الممزق أصلاً، وبهذا قد نقرأ الفاتحة على دفن ما يُسمّى الجامعة العربية، مع تبنّ عربي واضح للمشروع “الإسرائيلي” في المنطقة، لكن ضمن ذلك، سيبقى التعويل على تعاظم قوة وقدرة محور المقاومة، على مجابهة تلك التحديات، ووضعها في إطار اللا تأثير، أو محدودية التأثير.
من المؤسف في الختام القول، بأنّ “إسرائيل” تجمع العرب في النقب، في وقت تشهد به القضايا العربية تحديات وأزمات، أحوج ما تكون لكلمة عربية موحدة، لكن ورغم توقيت الاجتماع وأهدافه، ستبقى إيران ومحورها المقاوم، هاجساً “إسرائيلياً” خليجياً، ولن يتمكن أيّ اجتماع أو قمة بدوافع “إسرائيلية”، من الوصول إلى ما تصبو إليه.