فرنسا: اليسار الأحمق
عامر نعيم الياس
حلّ اليسار الفرنسي ممثلاً بالحزب الاشتراكي الحاكم وحلفائه، في المركز الثالث وفقاً لنتائج الانتخابات المحلية، بحصوله على ما بين 23.2 و32.7 في المئة من الأصوات. وبحسب استطلاعات الرأي لنتائج الجولة الأولى، حصل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، رئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، وحلفاؤه الوسطيون من اليمين، على المركز الأول بحصوله على ما بين 29.2 و32 في المئة من الأصوات. في حين حصلت «الجبهة الوطنية» التي حلّت في المركز الثاني يمين متطرّف على ما بين 24.5 و26.3 في المئة من الأصوات، متجاوزةً بنسبة عشر نقاط نتائجها في الانتخابات المحلية أو انتخابات الأقاليم لعام 2011.
وفي التفاصيل، فإن الحزب الاشتراكي الحاكم وحده حصد 21.1 في المئة من الأصوات، فيما حصد «حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية» حوالى 29 في المئة، وسط نسبة مقاطعة عالية بلغت 48.93 في المئة من الناخبين، على رغم كل الحشد الحزبي للمشاركة في الانتخابات المحلية، وإن لوحظ تراجع نسبة المقاطعة عن انتخابات 2011 والتي بلغت حينذاك 55.68 في المئة.
ومع التحضيرات للجولة الثانية في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، وفي ضوء استطلاعات الرأي لمراكز القوى في الانتخابات، فإن الحزب الاشتراكي الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس هولاند سيغيب عن ربع الدوائر الانتخابية، فيما ستنحصر المواجهة بين حزب ساركوزي وحزب لوبان. وفور الإعلان عن نتائج الانتخابات، سارع رئيس «حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية» نيكولا ساركوزي للتأكيد على «عدم وجود تحالف مع الجبهة الوطنية»، محاولاً خطب ودّ ناخبي اليسار الفرنسي في الدوائر التي ستشهد منافسة مع اليمين الفرنسي القومي ممثلاً بالجبهة الوطنية التي، وإن عززت مواقعها، إلا أنها على ما يبدو لن تستطيع المنافسة بجدّية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، في ضوء النزوع التقليدي لما يسمى «الأحزاب الجمهورية» لمقاطعة اليمين القومي ودعم بعضها البعض في مواجهته، في حال انحسار التنافس بين أحد مرشحيهما ومرشح الجبهة الوطنية.
ويمكننا القول في سياق النتائج شبه النهائية للجولة الأولى، إن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي حقق هدفاً مزدوجاً يتمثل في هزيمة الحزب الاشتراكي الحاكم والجبهة الوطنية معاً. فالنتائج «أظهرت توق الفرنسيين إلى التغيير» وفق ساركوزي، ومرجحاً احتمالات فوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى عام 2017، كون نتائج انتخابات الأقاليم تعكس بشكل كبير شكل التوازنات وتوجّه القاعدة الشعبية في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يضع اليسار الفرنسي في مواجهة تداعيات هزيمته المعلنة التي وضعته على قائمة «أحمق يسار» في أوروبا، وفقاً لعنوان صحيفة «لونوفيل أوبسيرفاتور» الفرنسية، بعد فشله في تحقيق وعوده الانتخابية بالحدّ من نسب البطالة في المجتمع الفرنسي وحلّ عددٍ من المشاكل الاقتصادية في المجتع الفرنسي، فضلاً عن تمترسه خلف مواقف عقائدية ولا «أخلاقية» كما يحلو لوزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس وصفها في عدد من الملفات الخارجية، وفي مقدّمها ملف الأزمة السورية، إذ يلحظ في سياق نتائج الانتخابات المحلية وسياسات الأحزاب الفرنسية ومواقفها، خصوصاً اليمين من الملف السوري، قدرته على مواكبة التغيّرات في الموقف الدولي من سورية، وعلى وجه الخصوص الموقف الأميركي، وسط سعي داخل الكتلة اليمينية الوسطية إلى إحداث تغيير في السياسة الفرنسية من هذا الملف وجرّه أكثر نحو اعتماد الواقعية السياسية بديلاً عن المواقف المسبقة، مع أن ذلك لا ينفي الخلاف داخل اليمين ذاته عموماً، وفي أوساط حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» خصوصاً، حول طريقة التعاطي مع الدولة السورية. فرئيس الحزب ساركوزي المرهون للمال الخليجي لا يزال على موقفه من الدولة السورية، فيما يتبلور تيار قوي داخل حزبه ممثلاً بالرجل الثاني في الحزب برونو لومير، ورئيس الوزراء الأسبق دومينيك دوفيلبان، والنائب جاك ميار الذي زار سورية، فضلاً عن عدد من النخب الإعلامية، والتي تطالب بالتقارب مع سورية الدولة لمواجهة ما أسمته صحيفة «لوفيغارو»: «العدو المشترك».
كاتب ومترجم سوري