الطلاق بين الغرب والشرق إلى أين؟
يخوض الغرب معركة أوكرانيا بوجه روسيا بصورة لا تخفي الوجه العنصري للسلوك الغربي من جهة، ولا الخلفية المعادية للشرق على قاعدة فرضية أن الطلاق سيعني اختناق الشرق، وأن مبدأ الشراكة هو نعمة غربية على الشرق يجب سداد ثمنها بالخضوع، وهذا هو مضمون العقوبات الأميركيّة والغربية التي استهدفت روسيا بطريقة لا صلة لها بملفات بعينها بقدر تحولها الى حملة تطهير عرقيّ للمؤسسات المالية من كل من يتحدّث بالروسية، بعدما تحولت العقوبات الى اختصار ماهية النظام العالمي المولود من مرحلة الاحادية الأميركية في السيطرة على العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين ونهوض الاتحاد الأوروبي.
ليس في الشرق من يحول القطيعة مع الغرب الى هدف أو يرفعه كشعار، حتى بين الذين يعتبرون المواجهة مع الغرب معركة عقائدية مبدئية، فهم يبقونها في إطار السياسات، ولم يخطر ببال أحد يوماً على سبيل المثال أن يدعو لوقف تدريس نتاج الكاتب وليم شكسبير رداً على الاستعمار البريطاني، بمثل ما فعلت بعض الجامعات الأوروبية بوقف تدريس تراث فيودور دوستويفسكي، بل إن قادة الشرق وقواه المحركة خصوصاً في روسيا والهند والصين وإيران تعترف للغرب بكونه حاجة علمية وثقافية، وشريكاً تبادلياً في التجارة والحضارة، وترسم إطاراً لمعركتها هو رفع الهيمنة والسعي لشراكة متوازنة، وبناء نظام عالمي سياسي ومالي جديد لا مكان للتمييز فيه، تتعدّد فيه الأقطاب والعملات.
لم يضع الغرب في حسابه حقائق الحاجات المتبادلة على مستوى العالم، وأعماه الحقد والغرور عن رؤية استحالة استغنائه هو عن الشرق، فلم يقم أحد حساباً لمعنى كون الشرق هو السوق العالمية الحقيقية بأربعة مليارات إنسان، وأنه مصدر الطاقة الأول للغرب، وان الطاقة هي محرك الاقتصاد وأساس الخدمات الأساسية للمجتمع، وأن المعادن بما فيها اليورانيوم والحبوب بما فيها القمح تأتي للكثير من دول الغرب من هذا الشرق، وأن الطلاق الذي يؤلم الشرق ربما يكون قاتلاً للغرب نفسه.
كان الغرب يحتاج لاختبار القطيعة مع دولة بحجم روسيا، قبل أن يقع بوهم القدرة على تكرار التجربة مع دولة بحجم الصين، ليكتشف أن الشراكة ليست أرباحاً شرقية وخسائر غربية، وأن القدرة على الاستغناء صعبة على الشرق لكنها مستحيلة على الغرب، ويكفي للدلالة أن البحث عن بدائل للغاز الروسي يجري بين مصادر ليس بينها مصدر غربي واحد.