ثورة صناعية
لن تقتصر مكرمات الرجل الأبيض للإنسانية البائسة المبتلاة به على النوايا البشعة التي يكنّها هذا المخلوق لكلّ ما هو آخر، ولا على الإبادة والقتل والترويع والنهج العنصري إزاء البشرية، بل إنّ الضرر يتعدّى كلّ ذلك حينما تنسحب حماقات هذا القاصر على الأرض التي نعيش عليها.
الجرف الجليدي كونغر والذي تبلغ مساحته التقريبية 1200 كيلومتر مربع، أيّ بحجم مدينة روما تقريباً، انهار نحو المياه المحيطية في 15 آذار/ مارس الماضي، وقد شهد شرق القارة القطبية الجنوبية «أنتاركتيكا» درجات حرارة عالية بشكل غير عادي، حيث سجلت درجة حرارة قياسية بلغت 11.8 درجة مئوية، أيّ أكثر دفئاً ب 40 درجة مئوية عن المعايير الموسمية، كلّ هذا لا يشكل الخبر السيّئ بعد…
الطامة الكبرى، هو جرف جليدي آخر، بدأ يتململ ويعبّر عن رغبته في الابتعاد، أيضاً في القارة القطبية الجنوبية، ولكن حجمه هذه المرة هو أكبر بعشرات المرات من حجم ولاية فلوريدا الأميركية، البليّة في هذا الأمر بالذات ليست فقط ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات والذي سيترتب عليه زوال مناطق شاسعة مهمة على السواحل الواطئة في العالم، مدينة الاسكندرية في مصر على سبيل المثال لا الحصر، ولكنه سيؤدّي بالضرورة الى تغيّر نسب ملوحة هذه المحيطات والبحار مما يهدّد الكائنات البحرية برمتها بالزوال والفناء، أضرار نعرفها وأضرار أخرى سنفاجأ بها.
مرحى للإنسانية بسياراتها الفارهة السريعة التي تجوب بنا مسالك الأرض، وهنيئاً للبشرية بتلك الطيّارات التي تحلّق بنا عالياً وسريعاً في كلّ الاتجاهات، ولكن هذه السرعات الفائقة التي نجوب فيها هذه المعمورة أرضاً وسماءً سوف يترتب عليها عواقب كارثية على هذا الكوكب الذي تشفط ماهيته بلا رحمة وبلا هوادة، حتى ساعتها شفط من باطن هذه الأرض المبتلاة 50 بليون مرة كتلة الإمبيرستيت من المواد الخام والمحروقات، أكثر من 50 ألف مرة كتلة مدينة نيويورك، وداعاً أيتها الأمّ الرؤوم، وداعاً أيتها الحانية، وهنيئاً لهذا المخلوق الجميل، ذي العينين الزرقاوين والشعر الذهبي، الذي أراد أن يطير عالياً، ويقود مركبات فائقة السرعة.