الرفيق عاطف غطاس كرم… المربّي والأديب والشاعر والنقيب من مؤسّسي أول مديرية للطلبة في الجامعة الأميركية في بيروت
الحديث عن الحزب في منطقة جزين، يطول، كما عن العديد من الأمناء والرفقاء الذين انتموا فيها منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي واستمروا نضالاً وعطاءً، وكانت لهم وقفات عزّ، سقط فيها شهداء.
أحد رفقائنا من جزين الذي قد لا يعرفه كثيرون ولم يسطع اسمه في سجل النضال الميداني، انما كان ساطعاً في الميدان التربوي والأدبي، وكان له حضوره المشع حتى وفاته: انه الرفيق عاطف كرم.
*
بتاريخ 23/07/1983 كتب الأمين جبران جريج في مجلة الحزب «صباح الخير» النبذة والكلمة التاليتين عن الرفيق عاطف كرم تحت عنوان: «رحل عاطف كرم: الأديب والشاعر والمربي»، رحل عاطف كرم، النقيب السابق للمعلمين في لبنان والتربوي العريق في ميدان التعليم.
أما الانترناشونال كولدج، التي شهدت آخر عطاءاته فقد وزعت هذه الكلمة في وداعه:
«بحزن وأسى عميق، نتشارك نحن والزملاء، والطلاب والأصدقاء في تلقي النبأ المؤسف لوفاة معلمنا البارز، عاطف غطاس كرم.
ولد في جزين، جنوب لبنان، في 27 شباط 1916، وكانت له دروسه الابتدائية والثانوية في بيروت، وفي 1939 نال بكالوريوس العلوم من الجامعة الأميركية. وأمضى بضع سنوات أستاذاً في الجامعة الوطنية في عاليه، وانتقل الى الجامعة الأميركية في بيروت أستاذاً للرياضيات في البرنامج التحضيري، في تشرين الاول 1943. وفي 1956 نال الماجستير من الجامعة.
وما ان توظف في الانترناشونال كولدج. حتى عيّن عاطف كرم رئيساً لدائرة الرياضيات ورقي الى رتبة «ماستر».
خلال مدة حياته هذه الطويلة والمميّزة، ساهم كرم في تطوير التعليم في مدرسة «أي سي» وفي خارجها عامة. وخدم المهنة حين كان نقيباً للمعلمين في لبنان منتخباً للمنصب في 1961.
وكان كرم مثالاً في مقاسمة المعرفة والخبرة بين تلاميذه. ولا مشكلة حدثت، أكاديمية او سلوكية ذات أهمية. فآلاف من الفتيان والفتيات تأثرت بنهجه التعليمي، بجاذبيته الشخصية، بتدبيره، وحدبه المحب.
والى كونه أستاذاً محترفاً، انما ينتمي الى عائلة محترمة من العلماء، وكان أديباً كاتباً وشاعراً على الأخص.
وتقديراً واعترافاً بخدماته للبنان منحته الحكومة اللبنانية وسامين. وعائلة الانترناشونال كولدج تفقد به معلماً جليلاً ومحترماً».
*
وداعاً يا عاطف
الأمين جبران جريج، الذي عرف عاطف كرم، رفيقاً قومياً اجتماعياً شارك في تأسيس أول مديرية للحزب السوري القومي الاجتماعي في الجامعة الاميركية كتب هذه الكلمة لـ «صباح الخير» تخليداً لذكراه.
عرفتك غير معرفة سائر الناس،
عرفتك في مراحل ثلاث من حياتك،
مرحلة الطالب الجامعي، مرحلة أستاذ الرياضيات، الشاعر،
مرحلة المواطن الواعي.
كان سبيلي اليك الشاعر فؤاد سليمان.
رويت لي، عن مرحلة الطالب الجامعي، أنك ساهمت مع كريم طوبيا ـ جزين، وغابي ديب ـ القدس، في إنشاء أول مديرية للطلبة في الجامعة الأميركانية، وكان العمل سرياً سنة 1935 ثم تخرجت سنة 1939، سنة انفجار الحرب العالمية الثانية.
اما في مرحلة استاذ الرياضيات، الشاعر، في الجامعة الأميركانية مارست روحية العطاء مع تلامذتك، ووقفت نفسك على مهنة التعليم وبهذا الإخلاص انتخبت نقيباً لمهنية المعلمين.
لا يمكنني أن أنسى تلك اللقاءات الشعرية، نحن الثلاثة، فؤاد سليمان، عاطف كرم وجبران جريج، نتداول في الأدب في شتى ميادينه.
بقينا على هذه الحال حتى انفجرت الممارسات الدموية في الكيان اللبناني، فصرنا نلتقي، بين حين وآخر، في مدخل البناية التي تسكنها مع لفيف من المواطنين، نحلّل الوضع فتذكرني باستشراف سعاده، الزعيم، عن هذه الأيام السيئة التي أوصلتنا اليها جهالة الشعب والإرادات الخارجية.
كنت تسألني بلهفة القلق على المصير، أين صرنا والى أين نتجه والى ما ستؤول الأوضاع الراهنة.
كنت دائماً موضوعياً يتحكم فيك وعيك القومي الاجتماعي حتى في أحلك الظروف فلا تيأس.
كنت المواطن الواعي لكلّ ما يحيط بنا من اخطار.
كنت ترى اننا ننحدر ـ إذا استمرت الأحوال الرديئة الى هاوية لا قرار لها، وإذ بك تفاجئنا بالرحيل ونحن ننحدر ولكن محاولين ان لا نصل الى الهاوية.
هذا عاطف كرم الذي عرفت.
وهذي صورته التي اودّ ان احتفظ بها.
فوداعاً، يا عاطف، هذا مصير كلّ حي
وداعاً، والبقاء للامة».
***
اما عن شقيقه الأديب المعروف انطوان غطاس كرم، الذي وان لم ينتمِ كشقيقه الرفيق عاطف، إنما كان صديقاً، يحترم سعاده والحزب ويرى ان أمتنا لا تنهض، وتتخلص من الأمراض التي تكبل حيويتها إلا بأخذها النهضة القومية الاجتماعية.
في العدد 244 (تشرين الأول 2005) من مجلة «الجيش» نقرأ من إعداد وفيق غريزي، التالي:
أمضى القسط الأكبر من حياته الأدبية كطالب للأمثل، في جلاء مع نفسه، يكتب ثم يتجاوز ما كتبه او هو يكتب ويتريّث في نشر الكثير مما يكتب ريثما يوقن أنّ الحياة قد أسلست لقلمه قيادها كما يشتهي، فتجسدت في كلماته، وتمّ له من خلال تلك الكلمات ان يعانق الفنّ الأروع.
«آمن الايمان كله بان الحياة هي الفنّ الأروع، حتى ليبدو ذلك الإيمان كله وكأنه المفتاح الأمثل الى دراسة شخصية هذا المبدع الشاعر الناقد وأعماله جميعاً، والى فهمها وتذوّقها. لقد اتخذ في مرهف حسّه، من كمال الحياة معياراً للروعة الفنية ان في أدبه او في آداب منقوديه فأقحم نفسه كناقد وكأديب وشاعر في المسلك الأعور». انه أنطون غطاس كرم.
ولد انطوان غطاس كرم في 12 نيسان العام 1919 في جزين. حاز على شهادة الليسانس من الجامعة الأميركية في بيروت، عام 1945، ثم شهادة الماجيستير من الجامعة نفسها عام 1947، بعد ذلك انتقل الى جامعة السوربون في باريس، ونال شهادة دكتوراه دولة في الأدب عام 1959.
خلال هذه الفترة تولى مراكز تربوية عدة، منها: تسلّمه رئاسة الدائرة العربية من الانترناشونال كولدج في بيروت، من العام 1952 الى العام 1959، وعُيّن عميداً لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية من العام 1960 حتى العام 1963، ثم أستاذاً زائراً في كلية كولومبيا في الولايات المتحدة من عام 1967 الى العام 1968، ثم رئيساً للقسم العربي في الجامعة الأميركية في بيروت من العام 1971 الى عام 1974، بعدها شغل منصب أستاذاً زائراً في جامعة بركلي في الولايات المتحدة الأميركية من 1974 الى عام 1975، وحاز على جائزة الدولة اللبنانية في الأدب عام 1974، كما عمل استاذاً لمادة الأدب والفكر في الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية والجامعة الأميركية اللبنانية. من مؤسسي «جمعية أصدقاء الكتاب»، وعضو في «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي»، وحامل وسام الأرز من رتبة ضابط. له العديد من الكتب النقدية والشعرية، وعدد من المؤلفات المترجمة لشعراء غربيين. توفي في بيروت في 12 حزيران العام 1979، وهو في أوْج عطائه الفكري والأدبي والشعري. من أبرز أعماله: «الرمزية والأدب العربي الحديث»، «في الأدب العربي الحديث والمعاصر»، «كتاب عبدالله» و»أبعاد».