من سينتصر أميركا أم روسيا والصين؟
} د. علي عباس حمية
كان بإمكان بوتين أن ينهي العملية العسكرية بسرعة، ولكنه لم يفعل، كما كان باستطاعة أميركا رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو لتنتهي الحرب إلى حدّ ما، كما كان يمكن للأوروبيين الوقوف على الحياد لتجنّب أزمة الطاقة والغذاء التي أصبحت بعين الجميع واضحة المعالم.
إنّ تلك الحرب تنال من الاتحاد الأوروبي أولاً وأخيراً، حيث إنّ ما بعد هذه الحرب ليس كما قبلها وهي سياسة عضّ الأصابع عبر المساس بأمن الطاقة والمياه والغذاء وتغيير قواعد الاشتباك واستراتيجية الجغرافيا والمؤامرات الأميركية التي تقودها على التحالفات الجديدة مثل منظمة شنغهاي وصدّها من قبل المثلث الناري روسيا ـ الصين ـ إيران ولربما تنضمّ إليه قريبا الهند أيضاً.
الخطر الأكبر يكمن في أمن وتسوية سياسة العملات، والأكثر خطورة يكمن في الأمن النووي الذي سيكون سريعاً جداً في حلوله عبر شمولية الحسم والتدمير. ومن هنا نبدأ بحلّ القطبة المخفية من فهم الانسحاب الأميركي الوهمي من أفغانستان، والذي دائماً ما كنت أحذر منه وأدعو دائماً لفهمه جيداً وما سبب الانسحاب بعد أن استقر الوضع فيها للمحتل الأميركي.
الحلقة الأولى الآن من سلسة مخططات أميركا لتدمير آسيا العظمى قد انكشفت وستليها حلقات يجب كشفها، حيث إنّ وضع ضرب الصين مباشرة أصبح صعب المنال والذي يتوجّب على أميركا فعله قبل الانتخابات نهاية عام ٢٠٢٣، لذا، سقط عمران خان بضربة قاضية من قبل أميركا عبر عملائها وفق سياسة قواعد تحريك أماكن الصراع الذي تراه أميركا عبر سياسة التآكل الداخلي والتشتيت والإرهاق، حيث ستهدأ مؤقتاً في اليمن لتشعلها في باكستان، وذلك لإشغال الدول المحيطة بها وغمرها بطوفان النزوح من حرب أهلية وإلهاء منظمة شنغهاي مجدّداً لكسب الوقت كما كانت تشغلهم بأفغانستان… ولكن الحرب الأهلية في باكستان ستكون أقسى وأصعب على رأب الصدع فيها ولربما تجرّ المنطقة إلى انهيار نووي، حيث كان يتوجب على أميركا إرهاق روسيا عبر قتال نفسها من خلال جورجيا ومن ثم أذربيجان وكازاخستان وأخيراً أوكرانيا، ومن ثم ارهاق الصين أيضاً لتقاتل نفسها عبر حرب أهلية مع الإيغور أو معركة الانفصال لهونغ كونغ او جرّها إلى حرب مع تايوان، كما إلهاء الأمن الإيراني مع جيرانها من العرب المطبّعين مع العدو الصهيوني او إلهائها بحربها ضدّ المنظمات الإرهابية.
والآن الضربة القاصمة عبر جرّ الهند لتقاتل نفسها مع دول كانت جزءاً منها مثل كشمير وباكستان وبنغلادش، والأخطر والأكثر مساساً بالأمن النووي هو الوضع في باكستان لأنه سيدمّر فكرة آسيا العظمى نظراً لحساسية موقعها وعدد سكانها وقدراتها النووية، كما تقوم أميركا بإضعاف أوروبا لكي لا يكون لها كلمة فصل في ما يجري مع روسيا لعزلها عن المنافسة الجدية المستقبلية مع أميركا ومقارعة اليورو والدولار. علماً انه في حال لم تنجح أميركا بأيّ مما سبق فإنها ستنهار في ٢٠٢٣ مع الانتخابات، وهي تعلم أنها ستنهار لتكون دولة قطب درجة ثانية بعد روسيا والصين، وهي تقوم بكافة الوسائل ولو على حساب أصدقائها وحلفائها لكي تعيش وتقود العالم مجدداً، الا أنها برأيي قد تأخرت قليلاً وقد كان لها أحادية القطبية وعصرها الذهبي منذ العام ١٩٩١ لتحكم العالم لقرن من الزمن، إلا أنها سقطت في حروب تكتيكية من أجلها وربيبتها «إسرائيل» وفي الشرق الأوسط خاصة، والتي استنزفتها بالوقت الذي كانت فيه الصين تزداد قوتها الاقتصادية والصناعية لتكون بالصف الأول عالمياً كما كانت روسيا تجدّد نفسها وترمم قدرتها العسكرية والاقتصادية إلى أن أصبحت عظمى مجدداً.
فعلياً الجميع في صراع على حافة هاوية القمة ومن سيقود العالم، ولكنني أرى التسوية وتقاسم الاقتصاد والجغرافيا والعملة والطاقة والحفاظ على الأمن النووي في ما بينهم، وإلا ستتغيّر جغرافية العالم وسيتناقص عدد سكانه، ولن يكون كوكب الأرض كما نعرفه الآن، انْ أراد الله لنا العيش والبقاء لنرى…