مقالات وآراء

لننتظر الانتخابات وفيينا وروسيا ـ أوكرانيا

} منجد شريف

ما يؤلم حقاً في ما حلّ بنا أخيراً من ويلات ونكبات معيشية ليس الارتفاع الجنوني للدولار فحسب، بل الإذعان الكلي لذلك الارتفاع والتأقلم معه، فمن ذا الذي يقنعنا بمظلومية شعب ثار على ٦ دولارات رسم على تعرفة «الواتس آب»، ولم تحرك فيه الزيادات الجنونية والاستنسابية ساكناً، وعلى كلّ شيء من متطلبات حياته اليومية!

حال من الدهشة والغرابة، تعتري كلّ المتابعين، من خبراء ومدققين اقتصاديين، للخط الهمايوني، الذي تدحرجت فيه الأمور حتى بلغت هذا المستوى الانحداري من الانهيار.

لم تكن جريمة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تتلخص في فشله في لجم الصعود الجنوني للدولار، بل في التمهيد لتلك الجريمة المالية من خلال بيعه الوهم اتكالاً على شراء الوقت، فكان أن أجهز على فئة كبيرة من مكونات المجتمع اللبناني ونسيجه الاجتماعي، انْ كان من المودعين أو من المواطنين العاديين الذين افترستهم حال الانهيار للقيمة الشرائية لليرة اللبنانية.

«الليرة بخير» هي الطعم الذي اصطاد به سلامة آلاف المودعين من الناس داخل البلاد وخارجها، ربما لأنه لم يكن في حسبانه أنّ سيناريو الإفلاس وارد، نتيجة إيمانه بأنّ الورقة الاقتصادية هي الدعامة الرئيسية لفريق سياسي لبناني هو جزء منه، فكان الإمساك بعصب الاقتصاد الحلقة الرئيسية التي استمدّ منها ذلك الفريق، مبرّر وجوده وقوّته في وجه خصومه، وكان شعار «استقرار العملة» يتصدّر كلّ الشعارات السياسية الانتخابية حتى العام ٢٠١٨ .

تجلت مسؤولية سلامة في ما وصلت اليه البلاد اقتصادياً، في مسألتين:

1 ـ أن كلّ قيود الدولة واضحة أمامه فضلاً عن قيود مصرف لبنان، وهذا كان رادعاً له في عدم إغراء الناس بنسب الفوائد من أجل استقطاب أمولهم، ومن ثم حجزها في المصارف.

2 ـ استشعاره للأزمة من خلال معرفته الدقيقة لبواطن الأمور، هذا ما كان حافزاً ليصارح الناس بما ينتظرهم وكيفية التعاون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحتى لا تصل البلاد إلى هذا النفق المظلم والتخبط في كيفية الخروج منه.

ربما كان سلامة مدركاً لكلّ ما نواجهه، وعلى الأغلب كان لديه الكثير ليفعله للتخفيف من كارثية الأزمة وهولها، لكنه وفوق كلّ اعتبار مغلوب على أمره، وليس باستطاعته الخروج عن الخط المرسوم له في كيفية التصرف.

فتلك الأوراق المصرفية التي وقع عليها كلّ الزبائن عند فتح الحسابات المصرفية، كانت تجيز المعرفة التامة للحالة الفردية لكلّ دائن أو مدين، وبالتالي إمكانية الدخول إلى حساباتهم ومعرفة حركتها وتفنيدها، وكلنا يعلم أنّ كلّ تلك المعلومات مجرد التوقيع عليها، وبرمجتها، صارت بمتناول من يهمّه الأمر في الولوج والإطلاع عليها.

لقد درست حال الاقتصاد اللبناني من خلال الحسابات المصرفية، وكانت اليد الخفية التي تتربّص بنا شراً على دراية تامة عن كيفية الحياة اليومية لمختلف الشرائح الاجتماعية، وبالتالي أصبح الاقتصاد سلاحاً متاحاً استخدامه لأهداف سياسية خارجية.

استهدف الاقتصاد من خلال تجفيف منابع الدولار، وما انعكس عنه من ضيق العيش، وقد شكل هذا الاستهداف خناقاً على رقاب كلّ اللبنانيين، من أجل استثارة حفيظتهم وجرّهم إلى الانقلاب على من تريد تلك اليد إضعافه وإخضاعه وعلى الأرجح إنهاكه والقضاء عليه، ولن يفكّ ذلك الخناق إلا في حال من إثنين، حصول الانتخابات النيابية وما يمكن أن تحدثه من تغيير، جراء توظيف الأزمة في الشعارات الانتخابية، وما يمكن أن تسفر عنه لجهة الأغلبية النيابية، وفي حال لم تغيّر النتيجة الأغلبية الحالية، فستتجه الأنظار إلى مفاوضات فيينا والحرب الروسية الأوكرانية، وما يمكن أن يسفر عنهما من نتائج قد تعيد خلط الأوراق وتغيير الاستراتيجيات وتبدّل المواقف الدولية للدول المؤثرة اقتصادياً.

إنّ لبنان محكوم حتماً بالتوازنات الدولية والإقليمية، وليس بمقدوره التوجه لا شرقاً ولا غرباً الا ضمن تلك التوازنات، ولا شك أنّ أزمته الحالية هي بفعل فاعل، قد يكون الفساد ساعد على تسريعها، ولكن حتماً نحن معاقبين لاعتبارات جلية، عنوانها الترسيم البحري مع كيان الاحتلال، وأمنه، وعليه فإننا أمام مواجهة كبيرة، لأنها تمسّ بكلّ فرد، ولا سبيل بالخلاص منها إلا بالصبر والانتظار والتدابير الضرورية للتعايش مع الواقع الجديد، ريثما ينجلي المشهد الدولي والإقليمي وما قد يرشح عنه من حلول وانفراجات…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى